وقوله تعالى : (وَرافِعُكَ إِلَيَ) (١) ، إنما يراد به : رفع التعظيم والتكريم ، ويستدلون على ذلك بأن الله عزوجل قد قدم كلمة : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) على كلمة (وَرافِعُكَ إِلَيَ) ، كما يستدلون بقوله تعالى : (٢) (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ ، فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ، وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٣) ، بأن المقصود بها بأنه ليس من أحد من أهل الكتاب ، اليهود أو النصارى ، إلا ويؤمن بعيسى عليهالسلام ، إذ عاين ملك الموت ، ولكنه إيمان لا ينفع ، لأنه إيمان عند اليأس ، وحين التلبس بحالة الموت ، فاليهودي في ذلك الوقت يقر بأنه رسول الله ، والنصراني يقر بأنه كان رسول الله (٤).
__________________
(١) سورة آل عمران : آية ٥٥.
(٢) سورة المائدة : آية ١١٧.
(٣) يذهب الأستاذ سيد قطب ، طيب الله ثراه ، في تفسير هذه الآية إلى أن ظاهر النصوص القرآنية يفيد أن الله سبحانه وتعالى قد توفي عيسى بن مريم ثم رفعه إليه ، وبعض الآثار تفيد أنه حيّ عند الله ، وليس هناك ، فيما يرى ، أي تعارض يثير أي استشكال بين أن يكون الله قد توفاه من حياة الأرض ، وأن يكون حيا عنده ، فالشهداء كذلك يموتون في الأرض ، وهم أحياء عند الله ، أما صور حياتهم عنده ، فنحن لا ندري لها كيفا ، وكذلك صورة حياة عيسى عليهالسلام ، وهو هنا يقول لربه : إنني لا أدري ما ذا كان منهم بعد وفاتي (في ظلال القرآن ٢ / ١٠٠١) ، ويقول في تفسير قوله تعالى : (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) (مريم آية ٣٣) بأن المسيح إذن حياة محدودة ذات أمد ، وهو يموت ويبعث ، وقد قدّر الله له السلام والطمأنينة يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ، والنص صريح هنا في موت عيسى وبعثه ، وهو لا يحتمل تأويلا في هذه الحقيقة ، ولا جدالا (في ظلال القرآن ٤ / ٢٣٠٨) ، ويقول في تفسير قوله تعالى : (يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) (آل عمران : آية ٥٥) بأنهم أرادوا صلب عيسى عليهالسلام وقتله ، وأراد الله أن يتوفاه ويرفعه إليه ، وأن يطرّه من مخالطة الذين كفروا والبقاء بينهم ، وهم رجس ودنس ، وأما كيف كانت وفاته ، وكيف كان رفعه ، فهي أمور غيبية تدخل في التشابهات التي لا يعلم تأويلها إلا الله ، ولا طائل وراء البحث فيها ، لا في عقيدة ولا شريعة (في ظلال القرآن ١ / ٤٠٣.
(٤) محمد الطيب النجار : تاريخ الأنبياء في ضوء القرآن والسنّة النبوية ـ الرياض ١٩٨٣) ص ٢٨٢ ـ ٢٨٣.