ومنها خامسا أن الله تعالى آتاه الحكمة وفصل الخطاب ، والحكمة ، فيما يرى كثير من المفسرين النبوة (١) أو هي في رأي آخر ، الزبور وعلم الشرائع أو هي كل كلام وافق الحق فهو حكمة (٢) ، وأما فصل الخطاب فهو الحكم في القضايا التي تقع بين الناس في عهده ، وقد بيّنه الله تعالى في قوله جل ثناؤه : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ) (٣) ، وقال مجاهد والسّدي : هي إصابة القضاء وفهم ذلك ، وقال مجاهد أيضا : هي الفصل في الكلام وفي الحكم وهذا يشتمل كل ذلك ، وهو المراد ، وقد اختاره ابن جرير ، وقيل فصل الخطاب قطعه والجزم فيه برأي لا تردد فيه ، وذلك مع الحكمة ومع القوة غاية في الكلام والسلطان في عالم الإنسان ، وعن أبي موسى أول من قال : «أما بعد» داود عليهالسلام وهو فصل الخطاب ، وكذا قال الشعبي : فصل الخطاب «أما بعد» ، فإن من تكلم في الأمر الذي له شأن ، يفتتح بذكر الله وتمجيده فإذا أراد أن يخرج إلى الغرض المسوق له فصل بينه وبين ذكر الله بقوله (أما بعد) (٤).
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى الآيات الكريمة من سورة «ص» (٢١ ـ ٢٥) والتي ثار جدل حول تفسيرها ، يقول تعالى : (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ ، إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ ، إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها
__________________
(١) انظر تفسير ابن كثير : ٤ / ٤٧ ، تفسير روح المعاني : ٢ / ١٧٣ ، تفسير أبي السعود : ١ / ١٨٦ ، فتح القدير للشوكاني : ١ / ٢٦٦ ، زاد المسير لابن الجوزي : ١ / ٣٠٠ ، الراغب الأصفهاني المفردات في غريب القرآن ص : ١٢٨.
(٢) تفسير النسفي : ٤ / ٣٦ ـ ٣٧.
(٣) سورة ص آية : ٢٦.
(٤) تفسير ابن كثير : ٤ / ٤٧ ، تفسير النسفي : ٤ / ٣٧ ، في ظلال القرآن : ٥ / ٣٠١٧ ، عويد المطرفي المرجع السابق ص : ٥٠.