بسم الله الرّحمن الرّحيم
المقدمة
وصلّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وسلّم تسليما
ذكر شرف علم التصريف وبيان مرتبته في علم العربية
التصريف أشرف شطري العربية ، وأغمضهما :
فالذي يبيّن شرفه احتياج جميع المشتغلين باللغة العربية ، من نحويّ ولغويّ ، إليه أيّما حاجة ؛ لأنه ميزان العربيّة ؛ ألا ترى أنه قد يؤخذ جزء كبير من اللغة بالقياس ، ولا يوصل إلى ذلك إلّا من طريق التصريف ، نحو قولهم «كلّ اسم في أوّله ميم زائدة مما يعمل به وينقل فهو مكسور الأوّل ، نحو : مطرقة ومروحة ، إلّا ما استثني من ذلك» ، فهذا لا يعرفه إلّا من يعلم أنّ الميم زائدة ، ولا يعلم ذلك إلّا من جهة التصريف ، ونحو قولهم «إنّ المصدر من الماضي ، إذا كان على وزن «أفعل» ، يكون «مفعلا» بضمّ الميم وفتح العين ، نحو : «أدخلته مدخلا» ، ألا ترى أنك لو أردت المصدر من «أكرمته» ، على هذا الحدّ ، لقلت «مكرما» قياسا ، ولم تحتج فيه إلى السّماع ، إذا علمت أنّ «أكرم» : «أفعل» ، ألا ترى أنّ ذلك كلّه لا يعرف إلّا بالتصريف ، وأشباه ذلك كثير.
وممّا يبيّن شرفه أيضا أنّه لا يوصل إلى معرفة الاشتقاق إلّا به ؛ ألا ترى أنّ جماعة من المتكلّمين امتنعوا من وصف الله سبحانه بـ «حنّان» ؛ لأنه من الحنين ، و «الحنّة» (١) من صفات البشر الخاصّة بهم ، تعالى الله عن ذلك ، وكذلك امتنعوا أيضا من وصفه بـ «سخيّ» ؛ لأنّ أصله من الأرض «السّخاويّة» وهي الرّخوة ، بل وصفوه بـ «جواد» ؛ لأنه أوسع في معنى العطاء ، وأدخل في صفة العلاء ، وامتنعوا أيضا من وصفه بـ «الدّاري» ـ وإن كان من العلم ـ لأنّ أصله من «الدّريّة» ، وهي شيء يضعه الصائد لضرب من الحيلة والخديعة ، فكأنّ ما
__________________
(١) الحنة : رقة القلب. انظر لسان العرب لابن منظور ، مادة (حنن).