باب
تمييز ما يدخله التصريف مما لا يدخله
اعلم أنّ التصريف لا يدخل في أربعة أشياء ، وهي : الأسماء الأعجميّة التي عجمتها شخصيّة ، كـ «إسماعيل» ونحوه ؛ لأنها نقلت من لغة قوم ليس حكمها كحكم هذه اللغة ، والأصوات كـ «غاق» ونحوه ؛ لأنها حكاية ما يصوّت به ، وليس لها أصل معلوم ، والحروف ، وما شبّه بها من الأسماء المتوغّلة في البناء ، نحو «من» و «ما» ؛ لأنها ـ لافتقارها ـ بمنزلة جزء من الكلمة التي تدخل عليها ، فكما أنّ جزء الكلمة ، الذي هو حرف الهجاء ، لا يدخله تصريف فكذلك ما هو بمنزلته.
وقد جاء بعض الكلمات المبنيّة مشتقّا ، نحو «قطّ» ؛ لأنها من «قططت» أي : قطعت ، لأنّ قولك «ما فعلته قطّ» معناه : فيما انقطع من عمري ، وكذلك «ذا» و «ذي» و «الذي» ونحو ذلك ، مما يدخله التحقير ، ويستعمل استعمال المتصرّف ، وليس ذلك بالكثير ، وكلما كان الاسم من شبه الحرف أقرب كان من التصريف أبعد.
وممّا يدلّك على أنّ الحرف لا يدخله تصريف ، وجود «ما» و «لا» ونحوهما من الحروف ؛ ألا ترى أنّ الألف لا تكون فيهما منقلبة ، كالألف التي في «عصا» و «رحى» ؛ لأنها لو كان أصلها واوا أو ياء لظهرتا لسكونهما ، كما ظهرتا في نحو «كي» و «أي» و «لو» ، فلو كان أصل ألف «ما» واوا لقلت «مو» كـ «لو» ، ولو كان ياء لقلت «مي» كـ «كي» ؛ لأنّ حرف العلّة إنما كان يقلب لو كان متحرّكا ، وقبله مفتوح.
فإن قيل : فهلّا قدّرت الألف في «ما» وأشباهها ، منقلبة من حرف علّة متحرّك؟
فالجواب : أنّ ذلك لا يمكن تقديره ؛ لأنّ «ما» حرف مبنيّ ، والحروف لا تبنى إلّا على السكون ، ولا يحرّك آخرها إلّا عند التقاء الساكنين نحو «ثمّ» ، أو إذا كان على حرف واحد نحو واو العطف وفائه ، وليس شيء من ذلك في «ما» ، ولا يمكن أن تكون الألف في «ما» وأمثالها زائدة ؛ لأنه إنما تعرف الزيادة من غيرها ، بالاشتقاق والتصريف وسائر الأدلّة التي تذكر بعد ، إن شاء الله ، ولا يوجد شيء من ذلك في الحرف.
وما عدا ما ذكر ، من الأسماء العربيّة ، والأفعال ، يدخله التصريف.