فإن قيل : فإنّ الأصل «يقوم» و «يصول» و «يبيع» و «يكيد» و «يخوف». فحرفا العلّة ـ وهما الواو والياء ـ قد أسكن ما قبلهما ، وإذا أسكن ما قبل حرف العلّة صحّ نحو «ظبي» و «غزو». وهذا في المعتلّ اللّام ، فالأحرى أن يكون ذلك في المعتلّ العين ، لأنّ العين أقوى من اللّام وأقرب إلى أن تصحّ؟.
فالجواب : أنهم أعلّوا المضارع حملا على الماضي ، فلم يمكنهم أن يعلّوا بقلب حرف العلّة ألفا ، مع إبقاء سكون ما قبل حرف العلّة ، فأعلوا بالنقل ، فنقلوا حركة العين إلى الفاء ، كما نقلوها في إسناد الفعل إلى ضمير المتكلم والمخاطب. فلمّا نقلوا في «يقول» و «يطول» صارا «يقول» و «يطول». ولمّا نقلوا في «يبيع» صار «يبيع». ولمّا نقلوا في «يكيد» و «يخوف» صارا «يكيد» و «يخوف». ثم قلبوا الواو والياء ألفا ، لتحرّكهما في الأصل قبل النقل ، وانفتاح ما قبلهما في اللفظ. ولم يعتدّوا بالسكون ، لأنه عارض بسبب النقل ، والعارض الغالب فيه ألّا يعتدّ به.
وكذلك «قم» و «بع» أصلهما «اقوم» و «ابيع» ، ثم نقلت حركة العين إلى ما قبلهما فتحرّك فذهبت همزة الوصل ، لأنها إنما أتي بها لأجل الساكن ، فزالت لزواله. ثمّ سكّنوا الآخر ، وحذفوا حرف العلّة لالتقاء الساكنين.
ويحكى أنّ أبا عمر الجرميّ ، رحمه الله ، دخل بغداد ، وكان بعض كبار الكوفيين يغشاه ويكثر عليه المسائل ـ ويقال هو الفرّاء ـ وهو يجيبه. فقال له بعض أصحابه : إنّ هذا الرجل قد ألحّ عليك بكثرة المسائل فلم لا تسأله؟ فلمّا جاءه قال له : يا أبا فلان ، ما الأصل في «قم»؟ فقال له : «اقوم». فقال له : فما الذي عملوا به؟ فقال : استثقلوا الضّمّة على الواو ، فأسكنوها. فقال له : أخطأت لأنّ القاف قبلها ساكنة! فلم يعد إليه الرجل بعدها.
فأمّا اسم الفاعل من «فعل» فـ «فاعل» نحو «قائم» و «بائع». وقد ذكرنا من أيّ شيء أبدلت الهمزة ، في باب البدل.
وأما من «فعل» المضمومة العين فعلى قياس الصحيح. فتقول «طويل» كما تقول «ظريف».
وأما من «فعل» ، إن جاء على «فاعل» ، فإنك تبدل الهمزة من العين نحو «خائف» ، وقد ذكر في البدل ، وإن جاء على «فعل» فإن حرف العلّة ينقلب ألفا لتحرّكه وانفتاح ما قبله ـ كما فعل بالفعل ـ نحو «خاف» و «مال» ، اسما فاعل من «خاف الرجل» ، و «مال» إذا كثر ماله. جاء على «فعل» على حدّ قولهم : حذر يحذر فهو «حذر» في الصحيح.