فالجواب : أنّ الذي حمل على ذلك كون الزيادة منفردة.
وممّا يدلّ على صحّة مذهب سيبويه والخليل ، وفساد مذهب الأخفش. أنّك إذا نقلت الضمّة من العين إلى الفاء ، في «مفعول» من ذوات الياء ، اجتمع لك ساكنان : واو «مفعول» والياء ، فتحذف واو «مفعول» فتجيء الياء ساكنة بعد ضمّة ، قريبة من الطرف ، فتقلب الضمّة كسرة ، على مذهب سيبويه في الياء الساكنة بعد الضمّة إذا كانت تلي الطرف ، فإنه تقلب الضمّة كسرة ، مفردا كان الاسم أو جمعا ، نحو «بيض» جمع أبيض ؛ أصله «بيض» نحو «حمر» ، ثم قلبت الضمّة كسرة. وكذلك لو بنيت من البياض اسما على «فعل» لقلت «بيض». فالأصل في «مبيع» على أصله : «مبيوع» ثم «مبيوع» ثم «مبيع» ثم «مبيع».
وأما أبو الحسن الأخفش فيلزمه ، على مذهبه ، أن يقول «مبوع». وذلك أنّ الأصل «مبيوع». فإذا نقلت الضمّة اجتمع له ساكنان فيحذف الياء ، فيلزمه أن يقول «مبوع». فإن قال : لا أحذف إلّا بعد قلب الضمّة كسرة؟.
فالجواب : أن يقال له : لم تقلب الضمّة كسرة ، وأنت تزعم أنّ الياء إذا جاءت ساكنة بعد ضمّة في مفرد فإنّ الياء هي التي تقلب واوا ، بشرط القرب من الطرف. فأمّا مع البعد فلا يجوز قلب الضمّة كسرة ، في مذهب أحد من النحويّين.
فإنّ قلت : فإنّما قلبت الضمة كسرة لتصحّ الياء ، لأنّي لو لم أفعل ذلك ، فقلت «مبوع» ، لالتبست ذوات الياء بذوات الواو؟.
فالجواب : أنّ هذا القدر لو كان لازما لوجب أن تقول «ميقن» في «موقن» ، لئلّا يلتبس بذوات الواو. فكما أنّ العرب لم تفعل ذلك في «موقن» ، فكذلك لا تفعله في مبيع وأمثاله.
وثمرة الخلاف بين سيبويه وأبي الحسن تظهر في تخفيف «مسوء» وأمثاله. قال أبو الفتح في «القدّ» (١) له : سألني أبو عليّ عن تخفيف «مسوء». فقلت : أما على قول أبي الحسن فأقول «رأيت مسوّا» ، لأنها عنده واو «مفعول» وأما على مذهب سيبويه فأقول «رأيت مسوا» بتحريك الواو ، لأنها عنده العين. فقال لي أبو عليّ : كذلك هو ، اللهمّ إلّا أن تقول إنهم حملوا الماضي على المضارع ، وإذا كانت العرب قد حملت المضارع في الإعلال على الماضي ، مع أن الأكثر على أنّ المضارع أولى. فالأحرى أن يحمل الماضي على المضارع في ثبات الواو.
__________________
(١) هذا اسم كتاب لابن جني ، ويسمى أيضا : ذا القد. انظر خزانة الأدب للبغدادي ٤ / ١٢٢.