وإن كان مخالفا له في جنس الزيادة فإنه يعلّ إعلال الفعل الذي يكون على وقفه في الحركات وعدد الحروف ، لأنه قد أمن التباسه بالفعل. فتقول في «مفعل» من القول والقيام : «مقال» و «مقام». والأصل «مقول» و «مقوم» ، فأعللتهما كما أعللت «يخاف». وكذلك «مفعلة» من البيع تقول فيها «مبيعة». فتنقل الكسرة من حرف العلّة إلى الساكن قبله ، كما فعلت ذلك في نظيره من الفعل وهو «يبيع» ، وكذلك تقول في «مفعلة» من البيع ، على مذهب سيبويه ، لأنك إذا نقلت الضّمّة من الياء إلى الساكن قبلها جاءت الياء ساكنة بعد ضمّة قريبة من الطرف فعلى مذهب سيبويه تقلب الضّمّة كسرة لتصح الياء. وعلى مذهب الأخفش تقلب الياء واوا لأنه مفرد ، ولا تقلب الضّمّة عنده كسرة لتصحّ الياء إلّا في الجمع. فتقول على مذهبه «مبوعة». وتقول في «مفعلة» من القول «مقولة» ، فتعلّها كما تعلّ «يقول».
وكذلك تفعل بما خالفت زيادته زيادة الفعل ، أو كان فيه ما يقوم مقام الانفراد بالزيادة ، نحو بنائك من القول والبيع مثل «تحلىء». إلّا «مفعلا» فإنك لا تعلّه وذلك نحو «مفول» و «متيح». وذلك لأنه مقصور من «مفعال». فلم يعلّ كما لا يعلّ «مفعال» نحو «مفوال» ، كما لم يعلّ «عور» لأنه في معنى «اعورّ». ومما يبيّن أنّ «مفعلا» يمكن أن يكون مقصورا من «مفعال» كونهما في معنى واحد من المبالغة ، تقول «رجل مطعن» و «مطعان» إذا وصفته بكثرة الطعن ، وكونهما قد يتعاقبان على معنى واحد نحو «مفتح» و «مفتاح».
وقد شذّت ألفاظ فجاءت مصححة ، وبابها أن تعتلّ ، وهي «مزيد» و «مريم» و «مكوزة» و «مقودة». وحكى أبو زيد «وقع الصّيد في مصيدتنا» و «شراب مبولة» و «هي مطيبة» للنفس. وقرأ بعض القرّاء (لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ) [البقرة : ١٠٣].
وذهب أبو العباس إلى أنّ نحو «مقام» و «مباع» إنما اعتلّ لأنه مصدر للفعل ، أو اسم مكان ، لا لأنه على وزن الفعل. وجعل «مزيد» و «مريم» و «مكوزة» على القياس ، لأنها ليس لها أفعال فتحمل في الإعلال عليها ، إنما هي أسماء أعلام.
وهذا الذي ذهب إليه فاسد ، لأنه إن زعم أنه لا يعلّ إلا أسماء المصادر ، وأسماء الأزمنة والأمكنة ، فقد أعلّت العرب «معيشة» وهو اسم ما يعش به ، وليس باسم مصدر ، ولا زمان ، ولا مكان. وكذلك «المثوبة» وهو اسم ما يثاب به من خير أو شرّ. وإن زعم أنّ الذي يعلّ ما هو جار على الفعل ـ أعني مشتقّا منه بقياس مطرّد ـ فباطل ، لأنهم قد أعلّوا مثل «معيشة» ، وليس «مفعمة» مما عينه ياء مما يقال باطّراد. وإن زعم أنّ الذي يعلّ ما هو بالجملة مأخوذ من الفعل فهذه الأسماء ، وإن كانت أعلاما ، فإنها منقولة في الأصل