على ذلك فليس بموجب لادّعاء أنه في الأصل مفتوح العين ، لأنّ المعتلّ قد ينفرد ، في كلامهم ، ببناء لا يوجد في الصحيح. وذلك نحو «قرية» قالوا في جمعه «قرى» ، ولا يجمع «فعل» من الصحيح على «فعل» بضمّ الفاء أصلا. وكذلك «قاض» و «غاز» قالوا في جمعهما «قضاة» و «غزاة» ، فجمعوهما على «قعلة» بضم الفاء ، ولا يجمع الصحيح اللام إلّا بفتح الفاء ، نحو «ظالم وظلمة» و «كافر وكفرة».
فإن قيل : إنّ «قضاة» على ما ذهب إليه الفرّاء من أنها «قضّى» في الأصل نحو «ضارب وضرّب» ، ثم أبدلوا من أحد المضعّفين ألفا فقالوا «قضاا» ، فالتقى ألفان : الألف التي هي لام ، والألف المبدلة من أحد المضعّفين ، فحذفوا إحداهما ، ثم أبدلوا منها التاء؟.
فالجواب : أن يقال : إنّ إبدال الألف من أحد المضعفين ليس بقياس واطراد «قضاة» و «غزاة» و «رماة» يدلّ على بطلان ما ذهب إليه ، إذ لو كان كما ذهب إليه لم يطرّد.
وذهب الفرّاء إلى أنّ الأصل في «سيّد» : «سويد» على وزن «فعيل» ، ثم قلب فأدغم.
وكذلك ما كان نحوه. وجمله على ذلك عدم «فيعل» بكسر العين في الصحيح.
وهذا الذي ذهب إليه فاسد ، ، لأنّ القلب ليس بقياس ، وأيضا فإنه لم يجىء على الأصل في موضع. ولو كان الأمر كما ذكر لسمع «سويد» و «مويت». وأيضا فإن «فعيلا» لا يحفظ ممّا عينه ياء ، ولامه حرف صحّة ؛ ليس في كلام العرب مثل «كييل» ، فإذا حمل «بيّنا» و «ليّنا» على أنّ الأصل فيهما «ليين» و «بيين» فقد ادّعى شيئا لا يحفظ في كلام العرب مثله. وقد بيّنّا أنّ المعتلّ ينفرد بالبناء لا يكون للصحيح ، فينبغي أن يبقى في «سيّد» وبابه على الظاهر من أنه «فيعل». وأيضا فإنّ الفرّاء والبغداديين إنما راموا أن يجعلوا المعتلّ على قياس الصحيح ، ولا يفرد المعتلّ بما لا يكون في الصحيح ، ثم حملوه على ما لم يثبت في الصحيح ؛ ألا ترى أنّ «فيعلا» في الصحيح لا تكسر عينه ، وكذلك عين «فعيل» في الصحيح لا تقلب. فدلّ ذلك على فساد مذهبهم.
ومن ذلك «فيعلولة» ، فإنه إن كان من ذوات الياء أدغمت الياء في الياء ، ثم حذفت الياء المتحركة ، استثقالا للياءين مع طول البناء. وإن كان من ذوات الواو قلبت الواو ياء ، ثم أدغمت الياء في الياء ، ثم حذفت الياء المتحرّكة. وإنما التزم في «فيعلولة» الحذف. لأنه قد بلغ الغاية في العدد إلّا حرفا واحدا ؛ ألا ترى أنه على ستّة أحرف ، وغاية الأسماء أن تنتهي بالزيادة إلى سبعة أحرف. فلمّا كان الحذف في «فيعل» جائزا لم يكن في هذا الذي قد زاد ثقلا ، بالطول ، إلّا الحذف. وذلك نحو «كيّنونة» و «قيّدودة».