فإن قيل : وما الذي يدلّ على أنّ «كينونة» (١) و «قيدودة» (٢) ، وأمثالهما في الأصل «فيعلولة»؟.
فالجواب : أنّ الذي يدلّ على ذلك شيئان : أحدهما : أنهما من ذوات الواو ، فلو لا أنّ الأصل ذلك لقيل «قودودة» و «كونونة» ، إذ لا موجب لقلب الواو ياء. والآخر أنّه ليس في كلام العرب «فعلولة» ، على ما تقدّم في الأبنية.
فإن قيل : فإنهما مصدران ، وليس في المصادر ما هو على وزن «فيعلولة»؟.
فالجواب : أنّ «فيعلولة» قد ثبت في غير المصادر ، نحو «خيسفوجة» (٣) ، ولم يثبت «فعلولة» في موضع من المواضع. فحمله على ما ثبت في بعض المواضع أحسن ، إن أمكن. وإلّا فقد يجيء المعتلّ على بناء لا يكون للصحيح ، كما قدّمنا.
وزعم الفرّاء أنهما في الأصل «كونونة» و «قودودة» بضمّ الفاء ، وكذلك «صيرورة» و «طار طيرورة» ، ثم قلبت الضّمّة فتحة في «صيرورة» و «طيرورة» لتصحّ الياء. ثم حملت ذوات الواو على ذوات الياء ، ففتحوا الفاء وقلبوا الواو ياء ، لأنّ مجيء المصدر على «فعلولة» أكثر ما يكون في ذوات الياء ، نحو «صيرورة» و «سيرورة» و «طيرورة» و «بينونة».
وهذا الذي ذهب إليه فاسد ، من جهات :
منها : أنّ ادّعاء قلب الضمّة فتحة لتصحّ الياء مخالف لكلام العرب. بل الذي اطّرد في كلامهم أنه إذا جاءت الياء ساكنة بعد ضمّة قلبت واوا ، نحو قولهم «موقن» و «عوطط» (٤) وهما من اليقين والتّعيّط.
ومنها : أنّ الضّمّة إذا قلبت لتصحّ الياء فإنما تقلب كسرة ، كما فعلوا في «بيض» ، لا فتحة.
فإن قيل : لم يقلبوها كسرة ، استثقالا للخروج من كسر إلى ضمّ؟.
فالجواب : أنّ الكسر إذا كان عارضا فلا يكرهون الخروج منه إلى ضمّ ، نحو «بيوت» و «شيوخ».
__________________
(١) الكينونة : مصدر كان يكون. انظر الصحاح للجوهري ، مادة (كون).
(٢) القيدودة : مصدر قاد يقود. انظر الصحاح للجوهري ، مادة (قود).
(٣) الخيسفوجة : رجل السفينة. انظر لسان العرب لابن منظور ، مادة (خسفج).
(٤) العوطط : الناقة التي لم تحمل سنين من غير علة. انظر الصحاح للجوهري ، مادة (عوط).