أنّ انقلاب الواو إلى الياء أكثر من انقلاب الياء إلى الواو ، وإلّا فليس ذلك بقياس ، أعني : قلب الأخفّ ، وهو الياء ، إلى الأثقل وهو الواو. ولو لا ما ورد السماع به لم يقل. لكنّ الذي لحظت العرب من ذلك والله أعلم ـ ما ذكرنا. وإنما خصّوا بها الفعل المعتلّ اللام دون المعتلّ العين أو الفاء ، لأنها أقبل للتغيير ، لتأخّرها وضعفها.
و «الشّروى» من شريت ، و «التّقوى» من «وقيت» ، و «الفتوى» من ذوات الياء بدليل قولهم «الفتيا» بالياء. ولا تحمل «الفتيا» على «القصيا» ، أعني مما قلبت فيه الواو ياء ، لأنه لا نعلم لها أصلا في الواو. ومع هذا فإنّ «الفتيا» تقوية لنفس المستفتي ، فهو من معنى «الفتى» و «الفتاء».
أو يكون الاسم على وزن «فعلى» وتكون لامه واوا ، فإنّ العرب تبدل من الواو ياء في الاسم ، وذلك نحو «العليا» و «الدّنيا» و «القصيا». الأصل فيها «الدّنوى» و «العلوى» و «القصوى» فقلبت الواو ياء ، والدليل على ذلك أنّ «الدّنيا» من الدنوّ ، و «العليا» من «علوت» ، وأنهم قد قالوا في «القصيا» : «القصوى» فأظهروا الواو.
فإن قال قائل : فإنّ «القصيا» و «العليا» و «الدّنيا» صفات؟.
فالجواب : أنها قد استعملت استعمال الأسماء في ولايتها العوامل وترك إجرائها تابعة. فلذلك قلبت فيها الواو ياء.
فإن كانت صفة بقيت على لفظها ولم تقلب الواو ياء ، نحو «خذ الحلوى وأعطه المرّى».
وقد شذّ من «فعلى» الاسم شيء ، فلم تقلب فيه الواو ياء. وذلك «القصوى» و «حزوى» اسم موضع. وكأنّ «القصوى» (١) ـ والله أعلم ـ إنما صحّت فيه الواو تنبيها على أنه في الأصل صفة.
وإنما قلبت الواو ياء في الاسم دون الصفة ، فرقا بين الاسم والصفة. وكان التغيير هنا في الاسم دون الصفة ، كما كان التغيير في «فعلى» من الياء في الاسم دون الصفة ، ليكون قلب الواو هنا ياء كالعوض من قلب الياء هنالك واوا. وهذا أحسن. أعني قلب الواو إلى الياء ، لأنّ في ذلك تخفيفا للثقل ، لأنّ الياء أخفّ من الواو. وهو مع ذلك على غير قياس ، لأنه قلب لغير موجب ، ولو لا ورود السّماع بذلك ما قيل.
__________________
(١) القصوى : طرف الوادي. انظر لسان العرب لابن منظور ، مادة (قصا).