ذكر إدغام المتقاربين
اعلم أنّ التقارب الذي يقع الإدغام بسببه قد يكون في المخرج خاصّة ، أو في الصّفة ، أو في مجموعهما. فلا بدّ إذا ، قبل الخوض في هذا الفصل ، من ذكر مقدّمة في مخارج الحروف وصفاتها.
فحروف المعجم الأصول تسعة وعشرون ، أوّلها الألف وآخرها الياء ، على المشهور من ترتيب حروف المعجم. لا خلاف في ذلك بين أحد من العلماء ، إلا أبا العباس المبرّد فإنها عنده ثمانية وعشرون ، أولها الباء وآخرها الياء ، ويخرج الهمزة من حروف المعجم ، ويستدلّ على ذلك بأنها لا تثبت على صورة واحدة. فكأنها عنده من قبيل الضبط ، إذ لو كانت حرفا من حروف المعجم لكان لها شكل واحد ، لا تنتقل عنه ، كسائر حروف المعجم.
وهذا الذي ذهب إليه أبو العباس فاسد. لأنّ الهمزة لو لم تكن حرفا لكانا «أخذ» و «أكل» وأمثالهما على حرفين خاصّة ، لأنّ الهمزة ليست عنده حرفا. وذلك باطل ، لأنه أقلّ أصول الكلمة ثلاثة أحرف : فاء وعين ولام.
فأما عدم استقرار صورتها على حال واحدة فسبب ذلك أنها كتبت على حسب تسهيلها. ولو لا ذلك لكانت على صورة واحدة وهي الألف. ومما يدلّ على ذلك أنّ الموضع الذي لا تسهّل فيه تكتب فيه ألفا ، بأيّ حركة تحرّكت ، وذلك إذا كانت أوّلا ، نحو «أحمد» و «أيلم» و «إثمد».
ومما يبيّن أيضا أنها حرف أنّ واضع أسماء حروف المعجم وضمها ، على أن يكون في أول الاسم لفظ الحرف المسمّى بذلك الاسم ، نحو «جيم» و «دال» و «ياء» وأمثال ذلك. فـ «الألف» اسم للهمزة ، لوجود الهمزة في أوله. فأما الألف التي هي مدّة فلم يتمكّن ذلك في اسمها ، لأنها ساكنة ولا يبتدأ بساكن ، فسمّيت ألفا باسم أقرب الحروف إليها في المخرج ، وهو الهمزة.
ومما يبيّن أيضا أنها حرف ، وليست من قبيل الضبط ، أنّ الضبط لا يتصوّر النطق به