باب
[ما أدغمة الفراء على غير قياس]
هذا باب يذكر فيه ما أدغمته القرّاء ، مما ذكر أنه لا يجوز إدغامه فمن ذلك قراءة أبي عمرو الرعب بما بإدغام باء «الرّعب» في الباء التي بعدها ، مع أنّ قبل الباء حرفا ساكنا صحيحا ، وقد تقدّم أنه لا يجوز عند البصريين. وحملوا قراءة أبي عمرو على الإخفاء ، وقد تقدّم أنّ الإخفاء يسمّى إدغاما.
ومن ذلك قراءته : (مَرْيَمَ بُهْتاناً) [النساء : ١٥٦] ، و (بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) [الأنعام : ٥٣] ، و (لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) [النحل : ٧٠] ، وأمثال ذلك بإدغام الميم في الباء ، وقد تقدم أن الميم من الحروف التي لا تدغم في مقاربها ، وينبغي أن تحمل ذلك على الإخفاء ، وعلى ذلك يتأوله أبو بكر بن مجاهد رحمه الله ، وينبغي أن يكون الإدغام في ذلك محفوظا عن أبي عمرو ، ويحكى عن البصريين أن أبا عمرو كان يختلس الحركة في ذلك ، فيرى من يسمعه ـ ممن لا يضبط سمعه ـ أنه أسكن الحرف الأول وإن كان لم يسكّن.
ومن ذلك إدغام الكسائيّ وحده الفاء من (نَخْسِفْ بِهِمُ) [سبأ : ٩] في الباء وقد تقدّم أنها من الحروف التي لا تدغم في مقاربها ، ولا يحفظ ذلك من كلامهم. وهو مع ذلك ضعيف في القياس ، لما فيه من إذهاب التفشّي الذي في الفاء.
ومن ذلك ما روي عن ابن كثير من إدغام التاء التي في أول الفعل المستقبل في تاء بعدها في أحرف كثيرة ، منها ما فيه قبلها متحرّك ، ومنها ما فيه قبلها ساكن من حروف المدّ واللين ومن غيرها. فأما ما قبله متحرك فنحو قوله : (فَتَفَرَّقَ بِكُمْ) [الأنعام : ١٥٣] و (هِيَ تَلْقَفُ) [الأعراف : ١١٧]. وأما ما كان قبله ساكن من حروف المدّ واللّين فقوله تعالى : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ) [البقرة : ٢٦٧] و (وَلا تَفَرَّقُوا) [آل عمران : ١٠٣] و (وَلا تَنازَعُوا) [الأنفال : ٤٦]. وأما ما كان قبله ساكن من غير حروف المدّ واللّين فقوله تعالى : (فَإِنْ تَوَلَّوْا) [آل عمران : ٣٢] ، و (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ) [النور : ٥].