مسائل من المهموز
لو بنيت من «قرأ» مثل «دحرجت» لقلت : «قرأيت». والأصل «قرأأت» ، فلزم الثانية البدل لئلّا تجتمع همزتان في كلمة. وكانت الثانية أحقّ بالتغيير ، لأنها طرف.
وتقول في مثل «قمطر» من «قرأت» : «قرأي». والأصل «قرأأ» فأبدلت الثانية ياء ـ فإن قيل : هلّا أدغمت فقلت «قرأ» ، ورفعت لسانك بالهمزتين رفعة واحدة ، كما فعلت العرب في «سآل» و «رآس»؟.
فالجواب : أنّ الهمزتين ثقيلتان ، فمهما أدّى قياس إلى اجتماعهما في كلمة واحدة فلا بدّ من إبدال إحداهما ؛ إلّا أن يمنع من ذلك مانع ، إذ قد كانوا يستثقلونها وحدها ، فلمّا لم يكن مانع من إبدال إحدى الهمزتين ياء أبدلت. وكذلك كان قياس «سآل» و «رآس» ، لو لا ما منع من إبدالها ، وهو كون عيني الكلمة لا يختلفان أبدا نحو «ضرّب» و «قتّل» ، واللّامان قد يكونان مختلفين نحو «هدملة» (١) و «سبطر» ـ وكان إبدال الأخيرة أولى ، لأنها متطرّفة ، كما تقدّم.
وتقول في مثل «اغدودن» من «وأيت» : «ايئوءى». والأصل «اوءوءي» فقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. فإن خفّفت الهمزة الثانية قلت «ايئوى» ، ألقيت حركتها على الساكن قبلها وحذفت الهمزة. وإن خفّفت الأولى وتركت الثانية قلت «أوءى» ، ألقيت حركة الهمزة التي في العين مع الفاء ، وكانت واوا في الأصل ، فرجعت إلى أصلها ، وحذفت ألف الوصل لمّا تحرك ما بعدها ، فلمّا رجعت واوا وبعدها الواو الزائدة لزم همز الأولى لئلّا تجتمع واوان في أول الكلمة. فإن خفّفتهما جميعا قلت «أوى» ، لأنه لمّا صار بتخفيف الأولى «أوءى» ألقيت حركة الهمزة الثانية على الواو قبلها وحذفتها.
وقد أجاز أبو عليّ ، إذا سهّلت الهمزة الأولى وأبقيت الثانية ، أن تقول «ووءى» ، وإذا سهّلتهما معا أن تقول «ووى». ولا تقلب الواو همزة لأنّ نيّة الهمز فاصلة بين الواوين.
__________________
(١) الهدملة : الرملة المستوية. انظر تاج العروس للزبيدي ، مادة (هدمل).