بسم الله الرّحمن الرّحيم
مقدمة المحقق
الحمد لله الذي علم القرآن ، وخلق الإنسان ، وعلمه البيان.
وأصلي وأسلم على أفصح الخلق لسانا ، وأبلغهم بيانا ، وعلى آله وصحبه الطيبين ، ومن تبع هداهم إلى يوم الدين.
وبعد :
فإن من خصائص اللغة العربية التي عدها العلماء لها ما تمتاز به من اتساع الأبنية ، وكثرة الصيغ التي تستوعب المعاني التي يمكن أن تجيش بها نفس إنسان في وقت من الأوقات ، ولما كان التصريف هو سبيل الوصول إلى تلك الصيغ فقد قالوا : «أما التصريف فإن من فاته علمه فاته المعظم» (١).
ويعلل ابن فارس لتلك المقولة بأمثلة كثيرة تكشف عن فائدة التصريف في التمييز بين المعاني التي تتحول بتصريف صيغها من الضد إلى الضد : «يقال : القاسط للجائر ، والمقسط للعادل ، فتحول المعنى بالتصريف من الجور إلى العدل ...» (٢).
وثمة قصة وقعت لعمرو بن عبيد المعتزلي مع أبي عمرو بن العلاء تكشف عن التفات علماء اللغة القدامى لخطورة أمر الصّيغ ، والخلط بين بعضها ، وعدم التفريق الدقيق بين دلالاتها ، فقد أشارت المصادر إلى وفود أبن عثمان عمرو بن عبيد المعتزلي على أبي عمرو بن العلاء يسأله قائلا : يا أبا عمرو ؛ أيخلف الله وعده؟ قال أبو عمرو : لا ، قال عمرو : أفرأيت من وعده الله على عمل عقابا ، أيخلف الله وعده؟ فقال أبو عمرو : من
__________________
(١) انظر البرهان في علوم القرآن للزركشي ١ / ٢٩٧ ، والإتقان في علوم القرآن للسيوطي ٤ / ٤٧٧.
(٢) انظر المزهر في علوم اللغة والأدب للسيوطي ١ / ٢٦٠.