ولقيهما عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة بالأبواء (١) منصرفين من العمرة ، فقال لهما ابن عمر : اذكر كما الله إلّا رجعتما فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس ، وتنظرا فإن اجتمع الناس عليه لم تشذا ، وإن افترق عليه كان الذي تريدان.
وقال ابن عمر لحسين : لا تخرج فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم خيّره الله بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ، وإنك بضعة منه ولا تعاطها (٢) ـ يعني الدنيا ـ فاعتنقه وبكى ، وودعه.
فكان ابن عمر يقول : غلبنا حسين بن علي بالخروج ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة ، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له أن لا يتحرك ما عاش ، وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس ، فإن الجماعة خير.
وقال له ابن عباس : أين تريد يا ابن فاطمة؟ قال : العراق وشيعتي. فقال : إني لكاره لوجهك هذا ، تخرج إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك؟ حتى تركهم سخطة وملّة لهم. أذكرك الله أن تغرر بنفسك.
وقال أبو سعيد الخدري : غلبني الحسين بن علي على الخروج ، وقد قلت له : اتّق الله في نفسك. والزم بيتك فلا تخرج على إمامك.
وقال أبو واقد الليثي : بلغني خروج حسين فأدركته بملل (٣) فناشدته الله أن لا يخرج ، فإنه يخرج في غير وجه خروج ، إنما يقتل نفسه ، فقال : لا أرجع.
وقال جابر بن عبد الله : كلّمت حسينا فقلت : اتّق الله ولا تضرب الناس بعضهم ببعض ، فو الله ما حمدتم ما صنعتم ، فعصاني.
وقال سعيد بن المسيّب : لو أن حسينا لم يخرج لكان خيرا له.
وقال أبو سلمة بن عبد الرّحمن : قد كان ينبغي لحسين أن يعرف أهل العراق ولا يخرج إليهم ، ولكنه شجعه على ذلك ابن الزبير.
وكتب إليه المسور بن مخرمة : إيّاك أن تغترّ بكتب أهل العراق ، ويقول لك ابن
__________________
(١) قرية من أعمال المدينة بها قبر آمنة بنت وهب أم النبي صلىاللهعليهوسلم (ياقوت) وفي ابن العديم : الأفواء.
(٢) في السير : لا تنالها.
(٣) ملل : موضع في طريق مكة بين الحرمين ، وهو منزل على طريق المدينة إلى مكة على ثمانية وعشرين ميلا من المدينة (ياقوت).