ودخل عبد الله بن عباس على الحسين فكلّمه ليلا طويلا ، وقال : أنشدك الله أن تهلك غدا بحال مضيعة لا تأتي العراق ، وإن كنت لا بد فاعلا فأقم حتى ينقضي الموسم وتلقى الناس وتعلم على ما يصدرون ثم ترى رأيك ـ وذلك في عشر ذي الحجة سنة ستين ـ فأبى الحسين أن لا يمضي إلى العراق ، فقال له ابن عباس : والله إني لأظنك ستقتل غدا بين نسائك وبناتك كما قتل عثمان بين نسائه وبناته ، والله إني أخاف أن تكون الذي يقاد به عثمان ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، فقال : أبا العباس ، إنك شيخ قد كبرت.
فقال ابن عباس : لو لا أن يزري ذلك بي أو بك لنشبت يدي في رأسك ، ولو أعلم أنا إذا تناصبنا أقمت لفعلت ، ولكن لا أخال ذلك نافعي ، فقال له الحسين : لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إليّ أن تستحل بي ـ يعني مكة ـ قال : فبكى ابن عباس ، وقال : أقررت عين ابن الزبير [وكان ابن عباس يقول :](١) فذاك الذي سلّا بنفسي عنه.
ثم خرج عبد الله بن عباس من عنده وهو مغضب وابن الزبير على الباب ، فلما رآه قال : يا ابن الزبير ، قد أتى ما أحببت ، قرّت عينك هذا أبو عبد الله يخرج ويتركك والحجاز [ثم قال :](٢)
يا لك من قنبرة (٣) بمعمر |
|
خلا لك الجو (٤) فبيضي واصفري |
ونقّري ما شئت أن تنقّري
وبعث حسين إلى المدينة فقدم عليه من خف معه من بني عبد المطلب وهم تسعة عشر رجلا ، ونساء وصبيان من إخوانه وبناته ونسائهم.
وتبعهم محمّد بن الحنفية ، فأدرك حسينا بمكة ، وأعلمه أن الخروج ليس له برأي يومه هذا ، فأبى الحسين أن يقبل ، فحبس محمّد بن علي ولده فلم يبعث معه أحدا منهم ، حتى وجد حسين في نفسه على محمّد وقال : ترغب بولدك عن موضع أصاب فيه؟ فقال
__________________
(١) الزيادة عن بغية الطلب.
(٢) الشطور في ابن العديم ٦ / ٢٦١١ وسير الأعلام ٣ / ٢٩٧ وينسب الرجز لطرفة ، ديوانه. ملحق ديوانه ص ١٩٣.
وقد وردت في الطبري ٥ / ٣٨٤ والبداية والنهاية ٨ / ١٦١.
(٣) كذا بالأصل وسير الأعلام ، وفي ابن العديم : «قبّرة».
(٤) في سير الأعلام : البر.