وأنه قد وضع علامة هي القوس في السماء ، ليتذكر وعده ، فلا يكون طوفان يغرق الأرض أبدا.
ومنها (ثامنا) أن النص القرآني هو النص الوحيد الذي تنزه عن الماديات ، ذلك أن كلا من النصين ـ البابلي والتوراتي ـ يضحي فيه البطل بالأضاحي ، فتشم الآلهة في القصة البابلية ، ويشم الرب في قصة التوراة ، رائحة الشواء فيسكن غضبه ويتنسم رائحة الرضا ، بل إن القرآن الكريم ليرد على فحش يهود هذا ـ وهم يزعمون أنهم موحدون وأن كتابهم هذا تنزيل من عليّ قدير ـ بقوله تعالى «لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها ، وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ» (١) ويقول : «فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ» (٢).
ومنها (تاسعا) أن النص القرآني هو الوحيد الذي لا تجد فيه نصا قطعيا على أن الطوفان قد شمل الأرض كلها ـ الأمر الذي ناقشناه من قبل ـ وإن كانت النصوص السومرية والبابلية ، إنما عنت بالأرض المنطقة التي يسكنها أصحاب الطوفان ، ثم جاءت يهود ، ونقلت ما نقلت من المصادر البابلية ، ثم مزجت ذلك كله بما أنزله الله على موسى عليهالسلام ، ثم أخرجت لنا التوراة الحالية التي لا تمثل وحيا من عند الله ، كما أنها لا تمثل الكتابات الإنسانية ، وإنما هي خليط من هذا وذاك ، ومن ثم كانت روايتها أكثر الروايات تعرضا للخطأ ، فضلا عن أنها لا تقدم لنا رواية سماوية مقدسة تماما ، ولا وجهة النظر الإنسانية التي فيها ما في الإنسان نفسه من خطأ وصواب ، وإنما هي بين بين.
ومنها (عاشرا) أن النص القرآني هو النص الوحيد الذي لم يعتمد على غيره من المصادر القديمة ، ذلك أن السومريين بعد أن كتبوا روايتهم عن الطوفان ، جاء البابليون من بعدهم ، وأخذوا منها ما أخذوا ، ثم جاءت يهود ونقلت ما نقلت عن الاثنين ، وهكذا كانت كل رواية طوفانية تعتمد على رواية سبقت في التدوين ـ ولكن الأمر جد مختلف بالنسبة إلى القصة القرآنية ، والتي هي وحي من رب العالمين ، ذلك أنه في القرن السابع الميلادي ، وفي مكة المكرمة ، وفي غار حراء بدأ نزول الوحي على مولانا وسيدنا
__________________
(١) سورة الحج : آية ٣٧.
(٢) سورة الحج : آية ٢٨.