كما ذهب إلى ذلك كعب الأحبار ، وإنما هي موضع خلاف بين المفسرين ، فيما بين مكة وبيت المقدس ومصر (١) ، وكلها أماكن حط الخليل رحاله فيها بعد هجرته من حاران ، موطنه الأصلي ، وليس أور التي في منطقة الفرات الأدنى ، ومن ثم فقد كانت هجرة الخليل من حاران إلى كنعان ، ثم مصر ، فكنعان فالحجاز ، فكنعان مرة ثالثة ، حيث استقر هناك في حبرون (مدينة الخليل الحالية) (٢).
(ب) بين إبراهيم وقومه : ـ لا ريب في أن جدنا الأكبر ، سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، إنما كان عظيما بكل ما وسعته هذه الكلمة من معان ، ولم تكن الشدائد التي وقفت في طريقه ، والأهوال التي اعترضت سبيله ، لتقل من غربه أو توهن من عزمه ، فلقد كان ، عليهالسلام ، في أحرج موقف حيال من بعث بالحق إليهم ، ذلك أن قومه وأهله ، وعلى رأسهم أبوه ، كل أولئك قد نقم عليه دعوته وضاق به صدرا وضاعف من دقة موقفه إزاء المناوءيين ، تلك الغلطة التي بدت في لهجة أبيه ، وذلك التهديد الذي قابل به دعوته ، وأمره إياه بهجره وإصراره على ما هو فيه من ضلال وعبادة أصنام ، كما رأينا من قبل ، قد حزت كل هذه الأحداث في نفس إبراهيم ، لكنها لم تكن لترجعه القهقري ، أو لتدخل على قلبه اليأس ، أو لتفقده الأمل في نصر الله تعالى ، فصمد كالطود الراسخ ، وزاده الإصرار من جانب الكفار ، قوة على قوة ، وإيمانا مع إيمان ، فاعتزل أباه ، واعتز بالله ، ومضى في طريقه غير وجل أو هياب ، موطنا النفس على تحمل المكاره ، مستنصرا بخالقه وباعثه إلى الناس رسولا نبيّا (٣).
__________________
(١) انظر : تفسير القرطبي ص ٤٣٤٥ ، تفسير البيضاوي ٢ / ٧٦ ـ ٧٧ ، ابن كثير : قصص الأنبياء ١ / ١ ـ ١ ـ ٢ ـ ١ (القاهرة ١٩٦٨) ، تفسير ابن كثير ٣ / ٢٩٦.
(٢) انظر : عن موطن الخليل وهجراته (محمد بيومي مهران : إسرائيل ١ / ٦١ ـ ١٣٢).
(٣) محمد حسني : المرجع السابق ص ٤٨.