يعرفون إلا القوة الطاغية ضد العقول المستنيرة ، التي تبغي لهم الخير والفلاح.
ولنقرأ هذه الآيات الكريمة من سورة الأنبياء (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ ، إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ ، قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ ، قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ، قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ ، قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ، وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ، فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ، قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ، قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ ، قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ، قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ ، قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ ، فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ ، ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ ، قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ ؛ أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ، قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ ، قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ ، وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) (١).
وتقدم لنا الآيات الكريمة كما يقول صاحب الظلال حلقة من سيرة أبي الأنبياء ، صلوات الله وسلامه عليه ، تبدأ بالإشارة إلى سبق هداية إبراهيم إلى الرشد ، ويعني به الهداية إلى التوحيد ، فهذا هو الرشد الأكبر الذي تنصرف إليه لفظة «الرشد» في هذا المقام ، ثم تشير إلى محاجة إبراهيم قومه «إذ قال
__________________
(١) سورة الأنبياء : آية ٥١ ـ ٧٠ ، وأنظر : تفسير ابن كثير ٣ / ٢٩١ ـ ٢٩ ، تفسير القرطبي ص ٤٣٣ ـ ٤٣٤٥ ، في ظلال القرآن ٤ / ٢٣٨٢ ـ ٢٣٨٨ ، صفوة التفاسير ٢ / ٢٦٦ ـ ٢٦٨ ، تفسير النسفي ٣ / ٨١ ـ ٨٤ تفسير الخازن ٣ / ٢٤٠ ـ ٢٤٢ ، تفسير ابن ناصر السعدي ٥ / ١١٨ ـ ١٢٢ ، تفسير الجلالين ص ٤٢٥ ـ ٤٢٧.