لإيمانه «قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ» ، فهو رب واحد ، رب السموات والأرضين ، ربوبية ناشئة عن كونه الخالق ، فهما صفتان لا تنفكان ، فهذه هي العقيدة المستقيمة الناصعة ، لا كما يعتقد المشركون أن الآلهة أرباب ، في الوقت الذي يقرون أنها لا تخلق ، وأن الخالق هو الله ، ثم هم يعبدون تلك الآلهة التي لا تخلق وأن الخالق هو الله ، ثم هم يعبدون تلك الآلهة التي لا تخلق شيئا وهم يعلمون.
ثم يعلن إبراهيم عليهالسلام لمن كان يواجههم من قومه بهذا الحوار ، أنه قد اعتزم في شأن آلهتهم أمرا لا رجعة فيه «وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ» ، ويترك ما اعترفه من الكيد للأصنام مبهما لا يفصح عنه ، ولا يذكر السياق كيف ردوا عليه ، ولعلهم كانوا مطمئنين إلى أنه لن يستطيع لآلهتهم كيدا ، فتركوه ، «فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ» ، وتحولت الآلهة المعبودة إلى قطع صغيرة من الحجارة والأخشاب المهشمة ، إلا كبير الأصنام فقد تركه إبراهيم ، لعلهم يسألونه كيف وقعت الواقعة ، وهو حاضر ، فلم يدفع عن صغار الآلهة ، ولعلهم حينئذ يراجعون القضية كلها ، فيرجعون إلى صوابهم ، ويدركون منه ما في عبادة هذه الأصنام من سخف وتهافت.
وعاد القوم ليروا آلهتهم جذاذا ، إلا ذلك الكبير ، ولكنهم لم يرجعوا إليه يسألونه ، ولا إلى أنفسهم يسألونها ، إن كانت هذه الآلهة فكيف وقع لها ما وقع ، دون أن تدافع عن نفسها شيئا ، وهذا كبيرهم كيف لم يدفع عنها؟ ذلك لأن الخرافة قد عطلت عقولهم عن التفكير ، ولأن التقليد قد غلّ أفكارهم عن التأمل والتدبر ، فإذا هم يدعون هذا السؤال الطبيعي لينقموا على من حط آلهتهم ، وصنع بها هذا الصنيع «قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ» ، وعندئذ تذكر الذين سمعوا إبراهيم ينكر على أبيه ومن معه