عبادة التماثيل ، ويتوعدهم أن يكيد لآلهتهم بعد انصرافهم عنها «قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ».
ويبدو من هذا أن إبراهيم عليهالسلام كان شابا صغير السن ، حينما آتاه الله رشده ، فاستنكر عبادة الأصنام وحطمها ، ولكن أكان قد أوحى إليه بالرسالة في ذلك الحين؟ أم هو إلهام هداه إلى الحق قبل الرسالة ، فدعا إليه أباه ، واستنكر على قومه ما هم فيه؟ وهذا هو الأرجح ، فيما يرى صاحب الظلال ، وهناك احتمال أن يكون قولهم «سمعنا فتى» يقصد به إلى تصغير شأنه ، بدليل تجهيلهم لأمرهم في قولهم «يقال له إبراهيم» ، للتقليل من أهميته ، وإفادة أنه مجهول لا خطر له؟ قد يكون هذا هو المراد ، وهذا ما نميل إليه ونرجحه ، ولكن الأستاذ سيد قطب ، يرجح أنه كان فتى حديث السن في ذلك الحين.
ثم أرادوا التشهير به ، وإعلان فعلته على رءوس الأشهاد «قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ، قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ» ، فهم ما يزالون يصرون على أنها آلهة ، وهي جذاذ مهشمة ، ومن ثم فقد أراد إبراهيم أن يسخر منهم «قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ».
ويبدو أن هذا التهكم الساخر قد هزهم هزا ، وردهم إلى شيء من التدبر والتفكير «فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ» ولكنها لم تكن إلا ومضة واحدة أعقبها الظلام ، وإلا خفقة واحدة عادت بعدها قلوبهم إلى الخمود «ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ» ، ومن ثم فإن الخليل عليهالسلام يجيبهم بعنف وضيق ، على غير عادته وهو الصبور الحليم ، لأن السخف هنا يجاوز صبر الحليم «قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ ، أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا