اطمأنت على ولدها (١) ، ويتسابق البعض الآخر في رواية الأساطير ، فيذهب إلى أنها إنما كانت ابنة نمرود ، وليست أم الخليل ، هي التي ذهبت إليه في النار ، وأن الخليل قد زوجها بعد ذلك من ولده مدين ، فحملت منه عشرين بطنا ، أكرمهم الله بالنبوة (٢).
ولست أدري كيف احتاج نمرود ، وهو في رأي هذا النفر من المؤرخين قد ملك الدنيا بأسرها ، إلى أن تحمل المرأة العجوز ما لا تطيق ، وإلى أن ينتظر نذر النساء بجمع الحطب لناره ، وهل كان جمع الحطب يحتاج إلى فترة تمضى بين أن يتحقق للمرأة ما طلبت وبين أن توفي بنذرها حطبا للنار التي أعدها النمرود للخليل عليهالسلام؟ ، وأما قصة أم إبراهيم فأمرها عجب ، فكيف رأته في النار سليما معافى ، ثم اعتنقته وقبلته ، ثم كيف سمح لها القوم ـ وخاصة زوجها ـ بأن تذهب إليه؟ أم أن أصحابنا المؤرخين أرادوا أن تذهب خلسة ، كما وضعته خلسة (٣) فيما يزعمون ، وإن كان الأعجب من
__________________
(١) تاريخ الطبري ١ / ٢٤١ ، ابن الأثير : الكامل في التاريخ ١ / ٩٨ ـ ٩٩ (بيروت ١٩٦٥) ، ابن كثير البداية والنهاية ١ / ١٤٦ (الرياض ١٩٦٦).
(٢) الديار بكري : تاريخ الخميس ص ٩٣ ـ ٩٥ (القاهرة ١٣٠٢ ه).
(٣) يروى الأخباريون أن أصحاب النجوم قد أخبروا النمرود أن غلاما يقال له إبراهيم سوف يولد في شهر كذا من سنة كذا من عهده ، وأنه سيفارق دين القوم ويحطم أصنامهم ، ومن ثم فقد أمر النمرود بقتل كل غلام يولد في تلك الفترة ، غير أن أم إبراهيم قد أخفت حملها ، ثم وضعته سرا في مغارة قريبة من المدينة ، ومن ثم فقد نجا إبراهيم من القتل ، ثم أعلمت زوجها بأن الغلام قد مات على زعم ، وأخبرته بالحقيقة على زعم آخر ، وعلى أي حال ، وطبقا للرواية ، فقد أخذت تتردد على وليدها يوما بعد آخر ، وأنها كانت تتعجب كثيرا من أنه كان يشب في اليوم ما يشبه غيره في الشهر (انظر : تاريخ الطبري ١ / ٢٣٤ ـ ٢٣٦) الكامل لابن الأثير ١ / ٩٤ ـ ٩٥ ، المختصر في أخبار البشر لأبي الفداء ١ / ١٣ ، البداية والنهاية لابن كثير ١ / ١٤٨ ، تاريخ الخميس ص ٨٩ ـ ٩١ ، ١١٤ ، كتاب البدء والتأريخ للمقدسي ٣ / ٤٥ ـ ٤٨ ، المحبر ص ٣٩٢ ـ ٣٩٤ ، مروج الذهب ١ / ٥٦) ، وفي الواقع أن مثل هذه الروايات والأساطير إنما دارت كذلك عن مولد موسى والمسيح عليهماالسلام (تاريخ ـ