الفصل الثّالث
بين إبراهيم والملك
فشا في الناس أمر الدعوة التي أخذ أبو الأنبياء ، صلوات الله وسلامه عليه ، ينشرها ويروج لها ، وإذا القوم لا حديث لهم غير إبراهيم ودعوته ، وأحس الملك أن خاتمته قد دنت ، أو على أن زلزالا يهدد عرشه ، وقد يقضي عليه بعد حين من الدهر ، ومن ثم فقد ازداد غضبه ، وكاد يطير منه الصواب ، فأمر بدعوة إبراهيم ، وقامت بينهما مناظرة ، ليس أبلغ من القرآن الكريم في عرضها ، يقول عز من قال : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ ، أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ، قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ، قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ، وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (١).
وتحكى الآيات الكريمة حوارا بين إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وملك في أيامه يجادله في الله ، لا يذكر السياق باسمه ، لأن ذكر اسمه لا يزيد من العبرة التي تمثلها الآية شيئا ، وهذا الحوار يعرض على النبي صلىاللهعليهوسلم ، وعلى الجماعة المسلمة في أسلوب التعجيب من هذا المجادل ، الذي حاج
__________________
(١) سورة البقرة : آية ٢٥٨ ، وانظر : تفسير الطبري ٥ / ٤٢٩ ـ ٤٣٨ ، تفسير النسفي ١ / ١٣٠ ، تفسير ابن ناصر السعدي ١ / ١٥٣ ـ ١٥٤ ، تفسير الحلالين ص ٥٦ ـ ٥٧ ، تفسير القرطبي ص ١٠٩١ ـ ١٠٩٦ ، صفوة التفاسير ١ / ١٦٥ ، تفسير ابن كثير ١ / ٤٦٨ ـ ٤٦٩ ، تفسير المنار ١١ / ٣٨ ـ ٤٠ ، في ظلال القرآن ١ / ٢٩٦ ـ ٢٩٨.