وسعيد المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ ، قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) ، ويرحم الله لوطا لقد كان يأوى إلى ركن شديد ولو لبثت في السجن طول لبث يوسف لأجبت الداعي» (١).
فالحديث صحيح إذن ، ما في ذلك من ريب ، ولكن تفسيره بشك إبراهيم في قدرة الله على إحياء الموتى تفسير خاطئ فاسد ، ما في ذلك من ريب أيضا ، ولعل من أحسن وأصح ما نقل المزني وغيره من قول النبي صلىاللهعليهوسلم ، إن الشك مستحيل في حق إبراهيم إذ الشك في إحياء الموتى لو كان متطرقا إلى الأنبياء ، لكنت أنا أحق به من إبراهيم ، ولقد علمتم أني لم أشك ، فاعلموا أن إبراهيم لم يشك ، وإنما خص إبراهيم بالذكر لكون الآية قد يسبق إلى بعض الأذهان الفاسدة أن القصد منها احتمال الشك ، فنفي ذلك عنه.
وقال الخطابي : ليس في قوله صلىاللهعليهوسلم : نحن أحق بالشك من إبراهيم ، اعتراف بالشك على نفسه ولا على إبراهيم ، لكن فيه نفى الشك عنهما ، ومعناه : إذا لم أشك أنا في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى ، فإبراهيم أولى بأن لا يشك ، وقد قال صلىاللهعليهوسلم ذلك على سبيل التواضع ، وكذلك قوله : لو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي ، وفيه الإعلام بأن المسألة من إبراهيم لم تعرض من جهة الشك ، لكن من قبيل زيادة العلم بالعيان ، والعيان يفيد من المعرفة والطمأنينة ما لا يفيده الاستدلال (٢).
وقال ابن عطية : وما ترجم به الطبري عندي مرود (يعني شك إبراهيم في قدرة الله على إحياء الموتى) ، وما أدخل تحت الترجمة متأول ، فأما قول
__________________
(١) صحيح مسلم ١٥ / ١٢٢ ـ ١٢٣ (دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٩٨١).
(٢) محمد حسن عبد الحميد : المرجع السابق ص ٤٥ ـ ٤٦.