مجاز في العبارة ، ومعناها تسليم جدلي ، كأن يقول : افرض أنك ترفعه ، فارني كيف ترفعه ، فلما كانت عبارة الخليل عليهالسلام بهذا الاشتراك المجازي ، خلص الله له ذلك ، وحمله على أن بيّن له الحقيقة فقال له : «أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى» ، فكمل الأمر وتخلص من كل شك ، ثم علل عليهالسلام سؤاله بالطمأنينة.
ويقول الإمام القرطبي : هذا ما ذكره ابن عطية ، وهو بالغ ، ولا يجوز على الأنبياء ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، مثل هذا الشك ، فإنه كفر ، والأنبياء متفقون على الإيمان بالبعث ، وقد أخبر الله أن أنبياءه وأولياءه ليس للشيطان عليهم سبيل ، فقال تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) ، وقد اللعين : (إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) وإذا لم يكن له عليهم سلطنة ، فكيف يشككهم؟ وإنما سأل أن يشاهد كيفية جمع أجزاء الموتى بعد تفريقها ، وإيصال الأعصاب والجلود بعد تمزيقها ، فأراد أن يترقى من علم اليقين ، فيقول : أرني كيف ، طلب مشاهدة الكيفية (١).
ويقول صاحب تفسير المنار : فهم بعض الناس من سؤال إبراهيم عليهالسلام أنه كان قلقا مضطربا في اعتقاده بالبعث وذلك شك فيه ، وما أبلد أذهانهم وأبعد أفهامهم عن إصابة المرمى ، وقد ورد في الصحيحين «نحن أولى بالشك من إبراهيم» ، أي أننا نقطع بعدم شكه ، كما نقطع بعدم شكنا أو أشد قطعا نعم ليس في الكلام ما يشعر بالشك ، فإنه ما من أحد إلا وهو يؤمن بأمور كثيرة إيمانا يقينا ، وهو لا يعرف كيفيتها ، ويودّ لو يعرفها ... ذلك لأن طلب المزيد من العلم ، والرغبة في إسكانه الحقائق ، والتشوق إلى الوقوف على أسرار الخليقة مما فطر الله عليه الإنسان ، وأكمل الناس علما وفهما أشدهم للعلم طلبا ، وللوقوف على المجهولات تشوفا ، ولن يصل أحد
__________________
(١) تفسير القرطبي ص ١١٠٦ ـ ١١٠٧.