من الخلق إلى الإحاطة بكل شيء علما ، وقتل كل موجود فقها وفهما ، وقد كان طلب الخليل عليه الصلاة والسلام رؤية كيفية إحياء الموتى بعينيه من هذا القبيل ، فهو طلب للطمأنينة فيما تنزع إليه نفسه القدسية من معرفة خفايا أسرار الربوبية ، لا طلب للطمأنينة في أصل عقد الإيمان بالبعث الذي عرفه بالوحي والبرهان ، دون المشاهدة والعيان (١).
وفي صفوة التفاسير : سؤال الخليل ربه بقوله «كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى» ، ليس عن شك في قدرة الله ، ولكنه سؤال عن كيفية الإحياء ، ويدل عليه وروده بصيغة «كيف» ، وموضوعها السؤال عن الحال ، ويؤيد المعنى قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «نحن أحق بالشك من إبراهيم» ومعناه : ونحن لم نشك فلأن لا يشك إبراهيم أحرى وأولى (٢).
وهكذا كان إبراهيم عليهالسلام ، كما يقول صاحب الظلال ، ينشد اطمئنان الأنس إلى رؤية يد الله تعمل ، واطمئنان التذوق للسر المحجب ، وهو يجلي ويتكشف ، ولقد كان الله يعلم إيمان عبده وخليله ، ولكنه سؤال الكشف والبيان ، والتعريف بهذا الشوق وإعلانه ، والتلطف من السيد الكريم الودود الرحيم ، مع عبده الأواه الحليم المنيب ، ولقد استجاب الله لهذا الشوق والتطلع في قلب إبراهيم ، ومنحه التجربة الذاتية المباشرة (قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ، ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ، ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً ، وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ، وهكذا أمر الله إبراهيم أن يختار أربعة من الطير ، فيقربهن منه ويميلهن إليه ، حتى يتأكد من شياتهن ومميزاتهن التي لا يخطئ معها معرفتهن ، وأن يذبحهن ويمزق أجسادهن ، ويفرق أجزاءهن على الجبال المحيطة ، ثم يدعوهن فتتجمع أجزاءهن مرة أخرى ، وترتد إليهن الحياة ، ويعدن إليه ساعيات ، وقد كان طبعا.
__________________
(١) تفسير المنار ١١ / ٤٦.
(٢) صفوة التفاسير ١ / ١٦٧.