فيقول : إن إبراهيم عليهالسلام لما طلب إحياء الميت من الله تعالى أراه الله تعالى مثالا قرب به الأمر عليه ، وعلينا أن نفهم من الكلمة القرآنية (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) (١) الإمالة والتمرين على الإجابة ، يعني جل ثناؤه : خذ أربعة من الطير فمرنها تمرينا تعتاد به إن أنت دعوتها أن تأتيك ، فإذا صارت كذلك واعتادته وقبلت التمرين ، فاجعل على كل جبل من هذه الطيور الأربعة واحدا حال حياته ، ثم ادع الجميع يأتينك سعيا.
وقال أبو مسلم : والغرض ذكر مثال محسوس من عود الأرواح إلى الأجساد على سبيل السهولة ، وأنكر أبو مسلم أن يكون المراد من كلمة «صرهن» : قطعهن ، ومضى يحتج لرأيه هذا بوجوه : أولها : أن كلمة «صر» معناها في اللغة : الإمالة ، وأما التقطيع والذبح فليس في الآية ما يدل عليه ، فكان إدراجه في الآية إلحاقا وزيادة بغير دليل ، وهذا لا يجوز.
وثاني الوجوه : أنه لو كان المراد بكلمة صرهن قطعهن ، لم يقل إليك ، فإن الكلمة حينئذ لا تتعدى بحرف إلى ، وإنما يتعدى الفعل بهذا الحرف إذا كان بمعنى الإمالة ، فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون في الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير : فخذ إليك أربعة من الطير فصرهن يعني فقطعهن ، قلنا لهذا القائل : إن التزام التقديم والتأخير من غير دليل ملجئ إلى ذلك التزام بغير ملزم ، وهو خلاف الظاهر.
وثالث الوجوه : أن الضمير في كلمة «ثم ادعهن» عائد إلى الأربعة من الطير ، لا إلى الأجزاء ، وإن كانت الأجزاء متفرقة متفاصلة ، وكان الموضوع
__________________
(١) انظر عن معنى «فصرهن إليك» تفسير الطبري ٥ / ٥٩٥ ـ ٥٠٥ ، معاني القرآن للفراء ١ / ١٧٤ ، مجاز القرآن لأبي عبيدة ١ / ٨١ ، تفسير القرطبي ص ١١٠٩ ـ ١١١٠ ، تفسير الجلالين ص ٥٨ ، تفسير ابن ناصر السعدي ١ / ١٥٦ ، تفسير النسفي ١ / ١٣٢ ، تفسير ابن كثير ١ / ٤٧١ ، صفوة التفاسير ١ / ١٦٦ ، أبو بكر السجستاني : غريب القرآن ص ٤١ (القاهرة ١٩٨٠).