على كل جبل بعض تلك تلك الأجزاء ، لا إليها ، وهو خلاف الظاهر ، وأيضا الضمير في كلمة «يأتينك سعيا» عائد إليها ، لا إلى الأجزاء.
ويرى الأستاذ الباقوري أن رأي أبي مسلم أدنى إلى القبول بأيسر كلفة ، من حيث كان غير محوج إلى تقدير محذوف لفهم الآية ، ثم من حيث كانت اللغة نصيرا له أي نصير ، فإن هذه المادة تعطي معنى الميل ، كما تقول : إني إليكم لأصول ، أي مشتاق مائل ، ثم يرى أن معنى قوله سبحانه «فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ» أملهن إليك ووجهن نحوك ، كما يقال : صر وجهك إلي ، أي أقبل به عليّ (١).
على أن القائلين بالقول المشهور (أي الذبح وليس الإمالة) قد احتجوا على رأي أبي مسلم بوجوه : الأول : أن كل المفسرين الذي كانوا قبل أبي المسلم أجمعوا على أنه حصل ذبح تلك الطيور وتقطيع أجزائها ، فيكون إنكار ذلك إنكارا للإجماع ، والثاني : أن ما ذكره غير مختص بإبراهيم صلىاللهعليهوسلم ، فلا يكون له فيه مزية على الغير ، والثالث : أن إبراهيم أراد أن يريه الله كيف يحيى الموتى ، وظاهر الآية يدل على أنه أجيب إلى ذلك ، وعلى قول أبي مسلم لا تحصل الإجابة في الحقيقة.
والرابع : أن قوله تعالى : (ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً) ، يدل على أن تلك الطيور جعلت جزءا جزءا ، قال أبو مسلم في الجواب عن هذا الوجه : إنه أضاف الجزء إلى الأربعة ، فيجب أن يكون المراد بالجزء هو الواحد من تلك الأربعة ، والجواب أن ما ذكرته (أي الرازي) وإن كان محتملا ، إلا أن حمل الجزء على ما ذكرنا أظهر ، والتقدير : فاجعل على جبل من كل واحد منهن جزءا أو بعضا.
ويقول صاحب المنار : وآية فهم الرازي وغيره فيها ، خلاف ما فهمه
__________________
(١) أحمد حسن الباقوري : مع القرآن ـ القاهرة ١٩٧٠ ص ١٩٨ ـ ٢٠٠.