نعرف ما تقول ، ولو علمنا أنك صادق لفعلنا ، ولقد أتيناكم من دياركم وسبيناكم ، فلو كان كما تقول لمنعنا الله عنكم ، فطاف ثلاثة أيام يدعوهم إلى ذلك فأبوا عليه ، فأوحى الله تعالى إليه ، قل لهم : إن لم تؤمنوا جاءكم العذاب ، فأبلغهم فأبوا ، فخرج من عندهم فلما فقدوه ندموا على فعلهم فانطلقوا يصلبونه فلم يقدروا عليه ، ثم ذكروا أمرهم وأمر يونس للعلماء الذين كانوا في دينهم ، فقالوا : انظروا واطلبوه في المدينة ، فإن كان فيها فليس مما ذكر من نزول العذاب شيء وإن كان قد خرج فهو كما قال ، فطلبوه فقيل لهم إنه خرج العشي ، فلما آيسوا أغلقوا أبواب مدينتهم فلم يدخلها بقرهم ولا غنمهم ، وعزلوا الوالدة عن ولدها وكذا الصبيان والأمهات ، ثم قاموا ينتظرون الصبح ، فلما انشق الصبح رأوا العذاب ينزل من السماء فشقوا جيوبهم ووضعت الحوامل ما في بطونها ، وصاح الصبيان ، وثغت الأغنام والبقر ، فرفع الله تعالى عنهم العذاب ، فبعثوا إلى يونس عليهالسلام فآمنوا به ، وبعثوا معه بني إسرائيل ، فعلى هذا القول ، كما يقول الإمام الرازي ، كانت رسالة يونس عليهالسلام ، بعد ما نبذه الحوت ، ودليل هذا القول قوله تعالي في الصافات (فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ، وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ ، وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) ، وفي هذا القول رواية أخرى ، وهي أن جبريل عليهالسلام قال ليونس عليهالسلام : انطلق إلى أهل نينوى وأنذرهم أن العذاب قد حضرهم ، فقال يونس عليهالسلام : التمس دابة ، فقال الأمر أعجل من ذلك ، فغضب وانطلق إلى السفينة ، وباقي الحكاية كما مرت إلى أن التقمه الحوت ، فانطلق إلى أن وصل إلى نينوى ، فألقاه هناك (١).
على أن هناك وجها آخر للنظر يذهب إلى أن قصة الحوت كانت بعد
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٢ ـ ٢١٣ ، تفسير المعاني ١٧ / ٨٣.