دعائه أهل نينوى وتبليغه رسالة الله إليهم ، ولكنهم استعصوا عليه ، فضاق بهم صدرا ، وعاد مغاضبا (١) ، ولم يصبر على معاناة الدعوة معهم ، ظانا أن الله لن يضيّق عليه الأرض ، فهي فسيحة ، والقرى كثيرة ، والأقوام متعددون ، وما دام هؤلاء يستعصون على الدعوة فسيوجهه الله إلى قوم آخرين ، ذلك معنى «فظن أن لن نقدر عليه» أي أن لن نضيق عليه (٢) ، وذلك لأن يونس عليهالسلام ظن ، كما يقول الإمام الرازي ، أنه مخيّر إن شاء أقام وإن شاء خرج ، وأنه تعالى لا يضيق عليه في اختياره ، وكان من المعلوم أن الصلاح في تأخر خروجه ، وهذا من الله تعالى بيان لما يجري مجرى العذر له من حيث خرج ، لا على تعمد المعصية ، لكنه لظنه أن الأمر في خروجه موسع يجوز أن يقدم ويؤخر ، وكان الصلاح خلاف ذلك (٣).
هذا وقد ظن الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان أنه من القدرة ، فاستشكل ذلك ، إذ لا يظن أحد ، فضلا عن النبي عليهالسلام ، عدم قدرة الله تعالى ، وفزع إلى ابن عباس في ذلك (٤) ، «روى أن ابن عباس ، رضياللهعنهما ، دخل يوما على معاوية فقال : لقد ضربتني أمواج القرآن البارحة فغرقت فيها ، فلم أجد لنفسي خلاصا إلا بك ، قال : وما هي يا معاوية ، فقرأ الآية (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) فقال : أو يظن نبيّ الله أن لا يقدر عليه ، قال :
__________________
(١) يقول الألوسي في روح المعاني : وقيل مغاضبا لربه عزوجل ، وحكى في هذه المغاضبة كيفيات وتعقب (أبو حيان) ذلك في البحر بأنه يجب إطراح هذا القول ، إذ لا يناسب ذلك منصب النبوة ، وينبغي أن يتأول لمن قال ذلك من العلماء كابن مسعود والحسن والشعبي وابن جبير وغيرهم بأن يكون معنى قولهم لربه لأجل ربه تعالى وحمية لدينه ، فاللام لام العلة ، لا اللام الموصولة للمفعول به (روح المعاني ٣ / ٨٣ ـ ٨٤ ، وانظر أيضا : تفسير البحر المحيط ٦ / ٣٣٥ ، تفسير الطبري ١٧ / ٧٦ ـ ١ / ٧ ، تفسير الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٤).
(٢) في ظلال القرآن ٤ / ٢٣٩٣.
(٣) تفسير الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٥.
(٤) تفسير روح المعاني ١٧ / ٨٤.