هذا من القدر لا من القدرة (١) ، ويقول الرازي في التفسير الكبير (٢٢) : من ظن عجز الله تعالى فهو كافر ولا خلاف في أنه لا يجوز نسبة ذلك إلى آحاد المؤمنين ، فكيف إلى الأنبياء عليهمالسلام.
وعلى أي حال ، وكما أشرنا من قبل ، فلقد اتجه يونس عليهالسلام إلى شاطئ البحر ، فوجد سفينة مشحونة فركب فيها ، حتى إذا كانت في اللجة ثقلت ، وقال ربانها : إنه لا بد من إلقاء أحد ركابها في البحر لينجو سائر من فيها من الغرق ، فساهموا فجاء السهم على يونس ، فألقوه أو القى هو بنفسه ، فالتقمه الحوت (٢) وهو مليم ، لأنه تخلى عن المهمة التي أرسله الله بها ، وترك قومه مغاضبا قبل أن يأذن الله له ، وروى عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة ، قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لما أراد الله حبس يونس في بطن الحوت ، أوحى الله إلى الحوت أن خذه ، ولا تخدش له لحما ولا تكسر له عظما ، فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حسّا فقال في نفسه ما هذا ، فأوحى الله إليه وهو في بطن الحوت إن هذا تسبيح دواب البحر ، قال : وسبّح وهو في بطن الحوت ، فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا : يا ربنا إنا نسمع صوتا ضعيفا بأرض غريبة ، قال : ذلك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر ، قالوا : العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه من كل يوم وليلة عمل صالح ، قال : نعم ، قال : فشفعوا له عند ذلك ، فأمر الحوت فقذفه في الساحل ، كما قال الله تعالى «وَهُوَ سَقِيمٌ» ، رواه ابن جرير ورواه البزار في مسنده (٣) ، وعن عوف الأعرابي قال : لما صار يونس في بطن الحوت ، ظن أنه قد مات ، ثم حرك رجله ، فلما تحركت سجد
__________________
(١) تفسير النسفي ٣ / ٨٧.
(٢) في ظلال القرآن ٤ / ٢٣٩٣.
(٣) تفسير ابن كثير ٣ / ٣٠٧ ـ ٣٠٨ ، تفسير الطبري ١٧ / ٨١ ، ٢٣ / ١٠٠ ، تفسير الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٦ ، ٢٦ / ١٦٥ ، تفسير القرطبي ص : ٤٣٧٠ ـ ٤٣٧١.