«P» ، وهو حواشي الكهنة التي أضافوها إلى نص التوراة على عهد عزرا ونحميا ، وقد أدمج في مصادر التوراة (١) الأخرى حوالي نهاية القرن الخامس ، وربما الرابع ق. م ، وليس من شك أن كلا المصدرين يختلف عن الآخر اختلافا بيّنا في أسلوبه وصيغته ، كما أنهما ينتميان إلى عصور مختلفة ، كما رأينا ، هذا إلى جانب أن الرواية «اليهوية» تنبض بحيوية وخيال ، بينا النص «الكهنوتي» ، وإن كان جافا بالقياس ، فهو يتميز بدقة وتدبر (٢).
وتتميز العناصر التفصيلية التي تتألف منها قصة الطوفان في سفر التكوين بعضها عن بعض من حيث اللفظ والمادة (٣) ، فإذا بدأنا بوجوه الاختلاف الشكلية ، فإن أول ما يلفت النظر هو اختلاف اسم الرب في كلا المصدرين فهو في المصدر اليهوي «يهوه» ، وهو في المصدر الكهنوتي «إلوهيم» ، وكلا الاسمين نقلتهما «الترجمة الإنجليزية المعتمدة» إلى كلمتي «السيد» و «الرب» على التوالي (٤) ، وأما الترجمة العربية للتوراة ، فانها تستعمل كلمة «الرب» و «الله» بدلا من «يهوه» و «إلوهيم».
على أن الاختلافات المادية بين الحكايتين ـ اليهوية والكهنوتية ـ لا تزال تلفت النظر إلى أكثر من ذلك ، وحيث إن هذه الاختلافات تصل في بعض الحالات إلى حد التناقض القاطع ، فإن إثبات أن هذه الحكايات مستمدة من مصدرين منفصلين يصل إلى حد اليقين ، ولنقرأ ما جاء في سفر التكوين (٥) ، من أن الله أمر نوحا أن يأخذ «من جميع البهائم الطاهرة سبعة سبعة ذكرا وأنثى ، ومن البهائم التي ليست بطاهرة اثنين ذكرا وأنثى ، ومن طيور السماء أيضا سبعة ذكرا وأنثى» ، ثم نقرأ بعد ذلك في نفس السفر ـ بل وفي نفس الإصحاح ـ «ومن البهائم الطاهرة والبهائم التي ليست
__________________
(١) راجع عن «مصادر التوراة» كتابنا إسرائيل ص ٤٥ ـ ٤٨.
(٢)La Sainte Bible) Ecole Biblique de Jer usalem (Ed. du Cerf, Paris, ١٦٩١, P. ٤١.
وانظر التعليق في الهامش ، وكذلك : حسين ذو الفقار صبري : توراة اليهود ، المجلة ، العدد ١٥٧ ، يناير ١٩٧٠ م.
(٣) راجع «التناقضات في التوراة» في كتابنا إسرائيل ، ص ٩٧ ـ ١٠٩.
(٤) جيمس فريزر : المرجع السابق ص ١١٠.
(٥) تكوين ٧ : ٢ ـ ٣.