بطاهرة ومن الطيور وكل ما يدب على الأرض ، دخل اثنان اثنان إلى نوح إلى الفلك ذكرا وأنثى ، كما أمر الله نوحا» (١) ، فهل أمر الله نوحا أن يأخذ «سبعة سبعة» أم «اثنين اثنين»؟ أم أن نوحا ـ وحاشا نبي الله أن يكون كذلك ـ قد عصى أمر ربه؟ أم أن هذا كان خطأ من الكاتب؟ وإذا كان ذلك كذلك ، ففي أي النصين كان الخطأ ، أفي نص الأمر ، أم في نص التنفيذ؟ علما بأن نص التنفيذ قد تكرر مرة ثانية في التكوين «ودخلت إلى نوح إلى الفلك اثنين اثنين من كل جسد فيه روح حياة» (٢) ، كما أن الواضح من نص التكوين هذا أنه يضغط على أن ما أمر به الرب «اثنين اثنين» ، ولكنه في التكوين (٧ : ٢) يختلف عن ذلك كثيرا.
ولعل السبب في هذا التناقض ـ فيما يرى جيمس فريزر (٣) ـ أن الحكاية اليهوية عن الطوفان تميز بين الحيوانات الطاهرة والحيوانات النجسة ، فبينما أخذ نوح معه في الفلك سبعة من كل صنف من صنوف الحيوان الطاهر ، لم يأخذ معه سوى زوج من كل صنف من صنوف الحيوان النجس ، أما الكاتب الكهنوتي فلم يميز بين صنوف الحيوان على هذا النحو ، بل جعلها تدخل الفلك وهي على قدم المساواة مع بعضها البعض ، وإن قصر عددها بدون تحيز على زوج من كل صنف ، والسبب في هذا الاختلاف البين ، هو أن الكاتب الكهنوتي لم يفرق بين ما هو طاهر من الحيوان وما هو نجس ، على أساس أن هذه التفرقة قد أوحى بها الرب لموسى لأول مرة ، ومن ثم فإن نوحا لم يكن يعرفها ، أما الكاتب الكهنوتي فقد رأى أن التفرقة بين صنوف الحيوان على أساس الطهارة والنجاسة كانت معروفة لدى الجنس البشري منذ العصور الأولى.
ومرة أخرى تناقض التوراة نفسها في سبب الطوفان ، ففي الرواية اليهوية يعزو «يهوه» القضاء على البشرية ، إذ تحدرت إلى شر وغواية (٤) ، أما في الرواية الكهنوتية ، فإن الله (إلوهيم) ـ لاحظ مرة أخرى الاختلاف بين «يهوه» هناك ، وبين «إلوهيم»
__________________
(١) تكوين ٧ : ٨ ـ ٩.
(٢) تكوين ٧ : ١٥ ـ ١٦.
(٣) جيمس فريزر : المرجع السابق. ص ١١٢.
(٤) تكوين ٦ : ٥ ـ ٧. كذلك : حسين ذو الفقار صبري. توراة اليهود ، المجلة ، العدد ١٥٧ يناير ١٩٧٠ ص ١١.