(الله) هنا ـ إنما يتخذ قراره! إذ يرى الأرض قد فسدت جميعا ... كل من وما عليها من حي» (١).
والأمر كذلك بالنسبة إلى مصدر الطوفان ، فبينما يعزوه النص اليهوي إلى مطر عارم يتهاطل على الأرض أربعين يوما بلياليها دون انقطاع (٢) ، يعزوه النص الكهنوتي ليس إلى المطر وحده ، وإنما تنفجر أيضا ينابيع الغمر العظيم من أسفل كما من فوق ، فكأن قد انهار «الجلد» الذي نصبه الإله عند بدء الخليقة فاصلا بين المياه السفلية والتي في السماء ، كما تحدثنا التوراة (٣).
ثم إن هناك اختلافا جوهريا آخر بين الكاتبين يتعلق بدوام مدة الطوفان ، فقد ظلت الأمطار تهطل في قصة الكاتب اليهوي مدة أربعين يوما وأربعين ليلة (٤) ، ثم ظل نوح في فلكه بعد ذلك مدة ثلاثة أسابيع قبل أن ينحسر الماء بمقدار يمكنه من الرسو بسفينته ، ووفقا لهذا الحساب فإن الفيضان يكون قد دام واحدا وستين يوما ، أما في الحكاية الكهنوتية فقد أخذ الطوفان يهطل مدة مائة وخمسين يوما (٥) ، وبعده أخذت المياه في الانخفاض ، أما مدة الطوفان في العموم فقد استغرقت اثني عشر شهرا وعشرة أيام ، وحيث إن الشهور العبرية كانت شهورا قمرية ، فإن الاثني عشر تقدر بثلاثمائة وأربعة وخمسين يوما ، وإذا أضفنا إلى هذا الرقم عشرة أيام أخرى ، فإن المدة تكون حينئذ سنة شمسية كاملة ، أي ثلاثمائة وأربعة وستين يوما ، وحيث إن الكاتب الكهنوتي قد حسب مدة الفيضان بما يساوي سنة شمسية ، فإنه يمكننا أن ندعي ـ ونحن مطمئنون ـ أن هذا الكاتب قد عاش في الزمن الذي استطاع فيه اليهود أن يصححوا الخطأ الكبير في التقويم القمري عن طريق مراقبتهم للشمس (٦).
وأخيرا فإن الكاتب اليهوي ـ كما يقول جيمس فريزر (٧) ـ عن بناء نوح للهيكل
__________________
(١) تكوين ٦ : ١١ ـ ١٣ وكذلك : حسين ذو الفقار : المرجع السابق ص ١١.
(٢) تكوين ٧ : ٤ ، ١٢.
(٣) تكوين ١ : ٦ ـ ٧ وكذلك حسين ذو الفقار : المرجع السابق ص ١١.
(٤) تكوين ٧ : ٥ ، ١٣ ، ١٧.
(٥) تكوين ٧ : ٢٤ ، ٨ : ٣.
(٦) جيمس فريزر : المرجع السابق ص ١١٢.
(٧) نفس المرجع السابق ص ١١٣.