فلو كانت العقيدة اليهودية صادقة مع نفسها ، لما انحط فلك نوح على جبل «أراراط» ، وإنما على جبل صهيون ، الذي انعقدت من بعد نصوص التوراة على تجسيده في صورة من تفرد قدسي ، من حول معبد سليمان ، مما حدا بالحاخامات أن يدونوا ما دونوا ـ وسبق الإشارة إليه ـ من أنها منطقة متسامقة قصر عن أن يغمرها الطوفان ، في تحد سافر لما تقرره النصوص القديمة (١) من أن قد «تعاظمت المياه كثيرا جدا على الأرض ، فتغطت جميع الجبال الشامخة التي تحت السماء» ، ومن هنا ، فهو إذن صهيون ، وليس أراراط ، الجبل الذي انحط عليه فلك نوح ، إلا أن نكون أمام حقيقة تاريخية ـ فهو «الجودي» استوت عليه سفينة نوح ، إذ «غِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ» (٢) ، ولكن من أدرانا أن «لجودي» كان قمة من جبال أراراط ، حتى نسلم أننا أمام حقيقة تاريخية ، إنما هو افتراض لا يستقيم مع المنطق ـ نستخلصه من الدراسات المقارنة ـ الذي خضعت له في جوهرها أساطير الأولين ـ بل وحتى تحبيرات الحاخامات ، بعد ذلك بقرون ـ حريصة كل الحرص على قدسية المكان ، من حيث مركزية تكوين ، وبالضرورة ، من حيث إعادة خلق ، أو إعادة توالد وتكاثر من صلب ذرية مصطفاة ، وقد أبيدت أسباب الحياة جميعا (٣).
إننا بصدد أسطورة أجمع النقاد على أنها استعيرت من أصول سابقة ـ سومرية أو بابلية فيما قيل ـ استنادا إلى النصوص التي تمّ الكشف عنها ، ولكن ليس حتما وبالضرورة ، فقد كانت شائعة ذائعة فيما بين الشعوب القديمة ، فمن يدرينا أن لم تستق عناصرها عند العبريين من روايات أخرى ، ضاعت أصولها فيما ضاع ، أو ربما هي بعد في طي الغيب ، لم تتهيأ ظروف الكشف عنها ، كما كان الحال بالنسبة للرواية السومرية قبل عام ١٩١٤ م (٤).
ولعل الذي يدفعنا إلى هذا التساؤل ، إنما هو كلمة «أراراط» استوقفتنا فنحار
__________________
(١) تكوين ٧ : ١٩.
(٢) سورة هود آية : ٤٤.
(٣) حسين ذو الفقار : المرجع السابق ص ١٥.
(٤) نفس المرجع السابق ص ١٥ ، وكذلك S.H.Hooke ,Middle Eastern Mythology ,London , ١٦.P ، ١٩٦٣.