كيف أمكنها التسلل إلى نصوص التوراة ... لا تفسير إلا أن الأسطورة هنا مستقاة من أصول تداولها أقوام استوطنوا وقتا ما هضاب أرمينيا ، تلك المنطقة الجبلية ، حرية بأن تكون قد أورثتهم عبادة إله ما ، بركاني الصفات والسمات ، يطلقون عليه من بعد ـ إذ يستقر بهم المقام في أرض كنعان ـ تحريفا أو تبديلا ، أسماء سامية أو قريبة في مخارجها على الأقل من اللغات السامية ، مثل «أداد» و «شداي». وإل وه ربما كان هو الاسم العتيق للإله «يهوه» إله القينيين منذ الأزل ... بل إن بعض الثقات يرجعون أسطورة الطوفان ـ كما في التوراة ـ إلى أصول «حورية» من الذين استقروا بأرض فلسطين في عصر إبراهيم (تك ١٤ : ٦) تعثر بنقوشهم متناثرة فيما بين تل الحريري (ماري القديمة) ورأس شمرا (أوجاريت) ، ولكن أقدمها ، تلك التي في «بوغازكوي» عاصمة الحيثيين القديمة بقلب الأناضول ، اشتملت على مقاطع من ملحمة جلجاميش ، ولغتهم ـ أو لهجة متفرعة عنها ـ هي التي كانت سائدة في مملكة «أورارتوUrartu» ـ أرمينيا القديمة ـ إليها تنسب جبال «أرارات» أو «أراراط» كما في التوراة (١) ، ومع ذلك فإننا نميل إلى أن قصة الطوفان ، كما جاءت في التوراة ، إنما تعتمد في الدرجة الأولى على أساطير طوفانية ـ سومرية أو بابلية ـ من العراق القديم ، الأمر الذي سوف نوضحه فيما بعد.
ولكن : لعل من الأفضل قبل ذلك ، أن نشير إلى الدور الذي لعبه الخيال اليهودي في العصور المتأخرة بحكاية الطوفان ـ كما روتها التوراة ـ فأضافوا إليها تفاصيل جديدة تميل إلى المغالاة أحيانا ، وإلى الزخارف الرخيصة أحيانا أخرى ، وإلى تشويه القصة في غالب الأحايين ، وكأن هؤلاء اليهود لم يكفهم ما فعله أسلاف لهم في عصور خلت من مسخ القصة الحقيقية ـ كما أنزلها الله على كليمه موسى عليهالسلام ـ فخلطوا بينها وبين ما وجدوه في العراق القديم ـ على أيام السبي البابلي ـ من قصص عن طوفان يروي السومريون ، والبابليون من بعدهم أنه أغرق أرضهم.
__________________
(١) حسين ذو الفقار : المرجع السابق ص ١٥ ، ١٦ وكذلك :
O. R. Gurney, the Hittites) Penguin Books (, ٩٦٩١, P. ٣٢١ ـ ٤٢١ :
وفي الترجمة العربية للدكتور محمد عبد القادر ص ١٧١ ، وكذلك.
Andre Caquot, Mythologies Des Semites Occidentaux in Mythologies de la Mediterranee au Gange, paris, ٣٦٩١, P. ٢٩.