في بابل ، ثم ظهر في التاريخ في القرن الخامس أو الرابع قبل الميلاد ، ذلك لأن اليهود قد جمعوا هناك أثناء السبي البابلي تاريخهم بعضه إلى بعض ، وطوروا تقاليدهم ونموها ، ومن ثم فقد أصبح الذين آبوا إلى أورشليم بأمر كيروش الثاني (٥٥٨ ـ ٥٢٩ ق. م) شعبا يختلف اختلافا عظيما في الروح والمعارف عن ذلك الشعب الذي خرج منها مأسورا ، وذلك لأنهم تعلموا الحضارة هناك من البابليين (١).
ويقدم العلماء الكثير من الأدلة على تأثير الأدب البابلي في التوراة ، وإن كانوا يختلفون على وقت هذا التأثير وطريقته ، فهناك من يرى أن ذلك إنما كان على أيام الأسر البابلي (٢) (٥٨٦ ـ ٥٣٩ ق. م) ، بينما يذهب رأي آخر إلى أن ذلك ربما كان في القرن الثامن والسابع ق. م ، أثناء فترة اتصال الإسرائيليين الفعلي بالآشوريين ، ذلك لأن قصة الطوفان هذه ـ على ما يبدو ـ لم تكن موجودة في الروايتين المبكرتين في المصدر «اليهوي» ، ذلك لأن واحدة منهما تعتبر أبناء «لامك» الثلاثة من زوجتيه «عادة» و «صلة» أساسا لتقسيمات الجنس البشري ، وأما الأخرى ، فإن اختراع النبيذ ـ فيما ترى هذه الرواية ـ لهو أبرز حادث في حياة نوح (٣).
وهناك رأي ثالث يذهب إلى أن الروايتين ـ السومرية والبابلية ـ إنما تسربت إلى بني إسرائيل منذ زمن طويل عن طريق مصادر سومرية وسامية كانت منتشرة في جميع بلاد الشرق الأدنى القديم (٤) ، لدرجة أن أصبحت معها في متناول الأقوام جميعا ينتحلها هذا أو ذاك ، فيأخذ عنها الرواة كل على هواه ، تمجيدا لذكرى أسلاف ، وقد تكون ـ في أغلب الأحايين ـ لا تمت إلى بني إسرائيل أو إلى بني يهوذا أصلا ، إلا أنها صارت بمرور الزمن شائعة مشتركة بين شعوب المنطقة جميعا (٥) ، فقد مضى الزمن الذي كانت تعالج فيه الأصول الإسرائيلية بعزلة عما كان يتحوطها من مؤثرات ، وإنما تداخلت مع غيرها ، نهبا لتفاعلات اجتاحت المنطقة كلها ، فرسمت مسار التاريخ
__________________
(١)H. G. Wells, A Short History Of the World) Pelican Book (, ٥٦٩١, P. ٣٧, ٨٧.
(٢) S.A.Cook ,op.cit.,P.١٨٤.
(٣) A.Lods ,op.cit.,P.٦٨٤. وكذا تكوين ٤ : ٢٠ ـ ٢٢ ,٥ : ٢٩.
(٤) ول ديورانت : المرجع السابق ص ٣٦٨.
(٥) A.Lods ,op ـ cit ,P.٠٦١ ـ ١٦١