في الشرق القديم جميعا (١) ، بخاصة في الفترة التي كتب اليهود فيها توراتهم (٢).
وهكذا يمكننا القول أن كتاب التوراة قد تعرفوا على التراث البابلي ـ عن طريق الروايات الشفوية أو المدونة ـ وذلك إبان قيام دولتهم في كنعان ، وربما أثناء السبي البابلي أو بعده ، ويحق لنا أن نفترض أن العلاقة الوثيقة بين البلدين التي مهد لها الغزو البابلي في فلسطين ، ربما أدت على نحو ما إلى انتشار الأدب البابلي في فلسطين ، كما أدى السبي إلى انتشار الأدب اليهودي في بابل ، وبناء على وجهة النظر هذه ، فإن بعض التفصيلات التي تختلف فيها الرواية الكهنوتية عن الرواية اليهوية ، وتتفق فيها مع الرواية البابلية ، ربما نقلها الكتاب الكهنوتيون مباشرة عن المصادر البابلية ، وهذه التفصيلات تتعلق ببناء السفينة وطلائها بالقار أو القطران اللذين يعدان بصفة خاصة من منتجات بابل ، على أن احتمال معرفة العبريين لحكاية الطوفان الكبير قبل أن يؤخذوا في الأسر بزمن طويل ، وقرب حكايتهم في شكلها من الحكاية البابلية ، هذا الاحتمال تؤيده كل التأييد الحكاية اليهوية في سفر التكوين التي يمكن أن ترجع إلى القرن التاسع قبل الميلاد والتي لا يمكن أن تتأخر بحال من الأحوال عن القرن الثامن ق. م (٣).
وأيا ما كان الأمر ، فهناك إجماع بين العلماء على أن هناك تأثيرات بابلية في التوراة ـ فضلا عن التأثيرات المصرية الواضحة (٤) ـ كما أن الأساطير البابلية مثل قصة الطوفان قد وجدت في بابل قبل أن توجد في التوراة ، ولكنها لم تنقل بطريقة عمياء (٥).
وربما كانت المقارنة السطحية بين الحكايتين اليهودية والبابلية كافية لأن تؤكد لنا أن كلتا الحكايتين لم تنشأ في الأصل مستقلة ، بل من المؤكد أن إحداهما قد اعتمدت
__________________
(١)George Mendenhall, Biblical History in Transition in the Bible and the Ancient. Near East) vid n. ٣٢ (P. ٥٣.
(٢) راجع مراحل كتابة التوراة في كتابنا إسرائيل ص ٢٤ ـ ٤٥.
(٣) جيمس فريزر : المرجع السابق ص ١١٥ ، ١١٦.
(٤) راجع أمثلة لهذه التأثيرات في كتابنا إسرائيل ص ١٥١ ـ ١٥٩.
(٥) ١٨٤ J.Gray ,op.cit.,P.٤٠١ وكذلك S.A.Cook ,op.cit.,P.