على الأخرى ، ذلك لأنه من الجلي أن بين الرواية العبرية والبابلية عناصر مشتركة كثيرة ، وربما رجعا كلاهما إلى مصدر واحد (١).
وإذا ما أردنا أن نقدم أدلة على ذلك ، وجدنا عدة مقابلات بين قصة الطوفان في التوراة ، وبينها في الأدب الميزوبوتامي القديم ، فمن ذلك (أولا) أن الطوفان هنا وهناك بسبب إلهي ، وذلك حين قررت القوى الإلهية أن تقضي على الجنس البشري عن طريق طوفان عظيم ، ومنها (ثانيا) أن البطل هنا وهناك ينال تحذيرا مما هو مؤكد أن يكون ، فيبني فلكا للخلاص ، وهذا الفلك يطليه بالقار حتى لا ينفذ إليه الماء ، ويحضر معه حيوانات وطيور ويدخلها إلى الفلك ، فينقذ نفسه وينقذ معه صنوف الكائنات الحية جميعا ، ومنها (ثالثا) أن الطوفان هنا وهناك كان لأن القوم قد فسدوا ، وأن الشر قد انتشر بينهم ، وأن المبادئ الخلقية قد لطخت تماما ، ومن ثم فالطوفان للقضاء على بذرة البشر (٢).
ومنها (رابعا) أن بطل القصة هنا وهناك كان رجلا كريم الخلق ، نقي السريرة ف «زيوسودرا» في القصة السومرية يوصف بالتقوى ، وبأنه ملك متواضع يخشى الإله ، والأمر كذلك بالنسبة إلى نوح التوراة ، فقد كان «رجلا بارا كاملا في أجياله ، وسار مع الله» (٣) ، ومنها (خامسا) أن الأمطار الغزيرة قد هطلت هنا وهناك ، ومن ثم فقد تجمع الطوفان بمقدار كبير ، ودام أياما يختلف عددها قلة أو كثرة ، وكان في كلتا الحالتين بأسباب طبيعية ، ريح عاتية وأمطار مستمرة ، وعواصف مرعبة في القصة البابلية ، و «انفجار كل ينابيع الغمر العظيم ، وانفتاح طاقات السماء» في القصة التوراتية ، ومنها (سادسا) أن البطل هنا وهناك قد أنقذ هو وعائلته ، وكذا الحيوانات التي صاحبته في السفين ، وإن كان عدد الناجين في القصة البابلية ، أكثر منه في القصة التوراتية ، ومنها (سابعا) أن السفينة الضخمة ـ والمكونة من عدة طوابق ـ تظهر هنا
__________________
(١) قاموس الكتاب المقدس ـ ج ٢ ـ ص ٥٨٤.
(٢) ٢٧٣ M.F.Unger ,op.cit.,P ..
(٣) راجع كتابنا اسرائيل ص ١٤٥.