اعتدائه» (١) ، وفي التوراة يندم الرب كذلك على إحداث الطوفان ويعزم على ألا يلعن الأرض من أجل الإنسان أبدا ، وألا يميت بعد اليوم كل حي ، بل ويقطع الرب على نفسه ميثاقا «لا يكون طوفان ليخرب الأرض» ، ويضع للميثاق علامة ، هي «القوس في السماء ، فيذكر وعده ولا يأتي بطوفان يغرق الأرض أبدا» (٢).
ومنها (ثالث عشر) التركيز على الشخص العاشر فيما قبل الطوفان ، ففي القصة البابلية ـ وفقا لرواية بيروسوس ـ أن البطل الذي أنقذ من الطوفان ، إنما كان ملك بابل العاشر ، وفي قصة التوراة إنما هو «نوح» الرجل العاشر في سلسلة العشرة الرؤساء الآباء من آدم إلى نوح (٣) ـ عليهماالسلام ـ.
وهكذا تتعدد وجوه الشبه بين الحكايتين البابلية والعبرية في مجموعهما ، فإذا شئنا بعد ذلك أن نتعمق التفصيلات ، فإننا نجد أن الحكاية البابلية أقرب إلى الحكاية اليهوية منها إلى الكهنوتية ، فكل من الرواية البابلية واليهوية تعطي أهمية للعدد سبعة ، فقد حذر نوح في الرواية اليهوية من حدوث الطوفان سبعة أيام على التوالي ، كما أخذ معه في السفينة سبعا من كل صنف من صنوف الحيوانات الطاهرة ثم إن المدة الزمنية بين إطلاقه طائرا وآخر كانت سبعة أيام ، وبالمثل دام الطوفان في الرواية البابلية حتى بلغ قمته سبعة أيام ، كما أن البطل فيها وضع مجموعات أوعية التضحية فوق الجبل ، وكانت كل مجموعة تكون من سبعة أوعية. على أننا نجد من ناحية أخرى أن الحكاية الكهنوتية في سفر التكوين تقترب من الحكاية البابلية في بعض التفصيلات المحددة ، أكثر من اقتراب الرواية اليهوية منها ، ففي كل من الروايتين ، أصدرت الآلهة تعليمات محددة إلى البطل لبناء السفينة ، ومن ثم فقد بنيت السفينة في كل منهما من عدة طوابق وقسم كل طابق إلى عدة حجرات ، كما أنها طليت في كل منهما بالقار أو القطران ورست
__________________
(١) انظر في هذا المجال ما جاء في القرآن الكريم في سورة الأنعام «وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى» وما جاء في سورة الزلزلة «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» ، ثم انظر ما جاء في التوراة «أنا الرب إله غيور،أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضي»(خروج ٢٠ : ٥ ـ ٦)
(٢) تكوين ٩ : ٨ ـ ١٧.
(٣) رشيد الناضوري : المرجع السابق ص ٢٤٩ وكذاG.A.Barton ,op.cit.,P.٠٢٣ وكذاJ.Finegan ,op.cit.,P.٣.