وذهب رأي آخر إلى أن الله أمر جبريل فرفع الكعبة إلى السماء الرابعة ، وخبأ الحجر الأسود بجبل أبي قبيس ، فبقي فيه إلى أن بنى إبراهيم البيت فأخذه فجعله في موضعه (١) ، بينما ذهب رأي ثالث إلى أن البيت لم يجيء في خبر صحيح عن المعصوم أنه كان مبنيا قبل أيام الخليل ، وأن الروايات التي ذهبت إلى أن آدم قد نصب عليه قبّة ، وأن الملائكة قالوا قد طفنا قبلك بهذا البيت ، وأن السفينة قد طافت به أربعين يوما (أو أسبوعا) ، كل هذه الأخبار مأخوذة عن بني إسرائيل (٢).
والواقع أن هناك خلافا على وقت بناء الكعبة ، فهناك رواية تنسب بناءها إلى الملائكة قبل أن يبرأ الله عزوجل الأرض ، وقبل أن يخلق آدم بألفي سنة (٣) ، وهناك رواية أخرى تنسب بناءها إلى آدم عليهالسلام (٤) ، بينما ينسب ابن قتيبة ـ في رواية ثالثة ـ بناء الكعبة إلى شيث بن آدم (٥) ، وليس في كل هذا خبر صحيح يعول عليه وإنما اقتبسوه من مجمل الآية «وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ» ، فظاهر التعبير أن القواعد كانت موجودة ، وأن كل عمل إبراهيم وإسماعيل إنما كان رفعها وليس تأسيسها ، وليس في لغة العرب ما يمنع من أن يراد برفع القواعد ابتداء بناء البيت ، على ضرب من التوسع في التعبير (٦).
وأما الرواية الرابعة ـ وهي ما نميل إليه ونرجحه ، فهي رواية للطبري (٧) ـ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ـ تقول إن إبراهيم جاء فوجد إسماعيل يصلح نبلا له من وراء زمزم ، فقال إبراهيم : يا إسماعيل إن ربك قد أمرني أن أبني له بيتا ، فقال له إسماعيل : فأطع ربك فيما أمرك ، فقال إبراهيم : قد أمرك أن تعينني عليه ، قال : إذا أفعل ، فقام معه ، فجعل إبراهيم يبنيه وإسماعيل يناوله الحجارة ، ويقولان
__________________
(١) ابن الأثير : المرجع السابق ص ٧٠.
(٢) ابن كثير : البداية والنهاية ص ١٦٣.
(٣) العمري : مسالك الأبصار في ممالك الأمصار ج ١ ص ٩٣ (طبعة دار الكتب ١٩٢٤ م).
(٤) نفس المرجع السابق ص ٩٣ ، وراجع : علي حسني الخربوطلي : الكعبة على مر العصور ص ٧ ، القاهرة ١٩٦٧.
(٥) ابن قتيبة : المعارف ص ١٠ (المطبعة الحسينية ، ١٩٣٤).
(٦) أحمد حسن الباقوري : مع القرآن ـ القاهرة ١٩٧٠ ص ٤٧.
(٧) الطبري : المرجع السابق ص ٢٥٩ ـ ٢٦٠.