«رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» (١) ، فلما ارتفع البنيان وضعف الشيخ عن رفع الحجارة ، قام على حجر ـ وهو مقام إبراهيم ـ فجعل يناوله ويقولان ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، فلما فرغ إبراهيم من بناء البيت الذي أمره الله عزوجل ببنائه ، أمره الله أن يؤذن في الناس بالحج ، فقال له «وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ» (٢) ، وهكذا بنى إبراهيم وإسماعيل عليهماالسلام «الكعبة المشرفة» بيتا لله تعالى ، ليكون رمزا إلى الحقيقة الكبرى في الوجود ، حقيقة التوحيد ، توحيد التوجه إلى الله الواحد الأحد ، وتضرع خليل الله ودعا ربه ، وأمن إسماعيل ، أن يجعل الله أفئدة من الناس تهوي إلى ذريته في جوار هذا البيت المحرم (٣) ، «رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ، رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ» (٤).
وإذا كان صحيحا ما ذهب إليه بعض المؤرخين من أن إسماعيل ـ عليهالسلام ـ كان في الثلاثين من عمره يوم أمر الله عزوجل إبراهيم ببناء الكعبة (٥) ، فإن بناء الكعبة حينئذ يكون في حوالي عام ١٨٢٤ ق. م ، على أساس أن إسماعيل قد ولد في عام ١٨٥٤ ق. م ، (وتوفي عام ١٧١٧ ق. م) على أساس أنه ولد لإبراهيم وهو في السادسة والثمانين من عمره ، وأن إبراهيم قد عاش في الفترة (١٩٤٠ ـ ١٧٦٥ ق. م) (٦) ، وهو تاريخ متأخر جدا عن طوفان نوح عليهالسلام.
هناك روايات كثيرة عن دخول الحيوانات والطيور إلى السفين ، ومن أسف أنها روايات أشبه بالأساطير منها بحقائق التاريخ ، ومن أمثلة ذلك دخول إبليس إلى السفينة في ذيل الحمار (٧) ، بناء على كلمة صدرت من النبي الكريم دون أن يقصد منها ما
__________________
(١) سورة البقرة : آية ١٢٧.
(٢) سورة الحج : آية ٢٧.
(٣) محمد الصادق عرجون : محمد صلىاللهعليهوسلم من نبعته إلى بعثته ـ القاهرة ١٩٧١ ص ١٧.
(٤) سورة إبراهيم : آية ٣٧.
(٥) علي حسني الخربوطلي : المرجع السابق ص ١٦.
(٦) راجع في ذلك كتابنا إسرائيل ص ١٧٧ ، ٢٠٢ ، وانظر كذلك تكوين ١٢ : ٤ ، ١٦ : ١٦ ، ٢٥ : ٧ ، ١٧.
(٧) الطبري : المرجع السابق ص ١٨٤.