حدث ، والرواية التي تذهب إلى أن «عوج بن عنق» لم يغرق في طوفان نوح ، وأنه قد عاش من قبل عهد نوح ، وإلى أيام موسى ، وأنه كان جبارا عنيدا ، كافرا متمردا ، وأن أمه عنق بنت آدم قد ولدته من زنا ، وأنه كان طويلا بدرجة لا يمكن أن تحدث ، حتى إنه كان يأخذ السمكة من قرار البحار ثم يشويها في عين الشمس ، وأن طوله كان ٣ ٣٣٣٣ ذراعا ، وأنه كان يستهزئ بسفينة نوح وبصاحبها وأنه كان يسميها القصيعة ، والواقع أن هذه الأسطورة لا تستحق حتى أن تناقش ، ولكني أتساءل مع ابن كثير ، إذا كان الأمر كذلك ، فكيف يمكن أن يقبل العقل أن يهلك ابن نوح ، ولا يرحم من أمته حتى صبيانها ، ثم يترك هذا الجبار الباغي ابن الزنى ، ثم كيف تتفق هذه الخرافة مع الآيات الكريمة التي استخلصوا منها أن الطوفان كان قد قضى على كل ما ومن في الدنيا ، ثم حديث سيدنا ومولانا الحبيب المصطفى ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ عن طول آدم ، وأنه كان ٦٠ ذراعا ، وأن الناس من بعده كانوا أقل منه طولا (١).
ومن هذا النوع من الروايات كذلك ، رواية تذهب إلى أن السيد المسيح ـ عليهالسلام ـ بناء على رغبة الحواريين ، قد أعاد «حام بن نوح» إلى الحياة ، ثم سأله عن فلك نوح ، فأخبر أن طولها كان ألف ذراع ومائتي ذراع ، وأن عرضها ستمائة ذراع ، ومن هذا النوع كذلك رواية تذهب إلى أنه لم يكن في الأرض قبل الطوفان نهر ولا بحر ، وأن مياه البحار إنما هي من بقية الطوفان ، ومن هذا النوع كذلك رواية تذهب إلى أن القوم بعد أن استوت بهم السفينة على الجودي هبطوا إلى أسفله وابتنوا قرية سموها ثمانين ، وأنهم قد أصبحوا ذات يوم ، وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة ـ إحداها اللسان العربي ـ فكان بعضهم لا يفهم كلام بعض ، وكان نوح عليهالسلام يعبر عنهم (٢).
وليس هناك باحث منصف يستطيع أن ينكر أثر الإسرائيليات في هذه الروايات التي تجنح إلى الخيال أحيانا وإلى منافاتها للعقيدة الإسلامية الصحيحة أحيانا أخرى ،
__________________
(١) ابن كثير : البداية والنهاية ص ١١٤.
(٢) نفس المرجع السابق ص ١١٦ ، تفسير القرآن العظيم ص ٢٥٤ ـ ٢٥٧ ، وكذلك القرطبي المرجع السابق ص ٣٢٥٩ ـ ٣٢٦٦.