ومنها (ثالثا) أن زوجة بطل القصة في النصوص السومرية والبابلية ـ وكذا في نص التوراة ـ تنجو من الطوفان مع الناجين ، ولكن القرآن الكريم كان وحده هو الذي أخبرنا أن زوج النبي الكريم لم تكن من المؤمنين به «ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ» (١) ، ولا شأن لنا بروايات ذهبت إلى غير ما ذهب إليه النص القرآني الكريم ، فإنما هي اجتهادات على مسئولية أصحابها ، وهي قبل ذلك باطلة لمخالفتها للقرآن الكريم.
ومنها (رابعا) أن النص القرآني هو النص الوحيد الذي يتفق إلى حد كبير ـ مع الفارق الشاسع بين ما أنزله الله وما كتبته أيدي البشر ـ مع أقدم نصوص قصة الطوفان في أن الطوفان إنما بدأ وانتهى ـ أو على الأقل انتهى ـ في العراق ، وذلك حين «غِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ».
ومنها (خامسا) أن النص القرآني هو النص الوحيد الذي تسامى عن مهاوي الشرك وضلال الوثنية ، فهو في صراحة تامة يذكر أن القوم قد حادوا عن عبادة ربهم وانصرفوا إلى عبادة الأوثان ، وفي كل هذا يقدم لنا وصفا لله سبحانه وتعالى ـ بما يتفق ومقام الذات العلية ـ فلا يتنزل إلى الدرك الأسفل من التفكير الوثني في قصص العراق القديم ، أو يصف الله سبحانه وتعالى بما وصفته التوراة من أوصاف لا يرتضيها عقل ولا يقرها منطق ، بل هي أوصاف لا يرتضيها عقلاء الناس لأنفسهم في كثير من الأحيان.
ومنها (سادسا) أن النص القرآني الكريم هو النص الوحيد الذي تنزه عن التناقض الذي ساد قصة التوراة مثلا.
ومنها (سابعا) أن النص القرآني هو الوحيد الذي نزّه الله سبحانه وتعالى عن الندم على إحداث الطوفان ، بعكس النصوص الأخرى التي ذهبت إلى ندم الله ـ أو الآلهة في النصوص البابلية ـ على الإتيان بالطوفان ، بل ذهبت التوراة إلى أبعد من ذلك ، حين زعمت أن الله ـ تعالى عن ذلك علوا كبيرا ـ قد عزم ألا يحدث طوفانا بعد ذلك ،
__________________
(١) سورة التحريم : آية ١٠.