الجن وشياطينهم نارا وقودها الشياطين جزاء لكل جنس بما يشاكله من العذاب. والحجارة قيل : هي حجارة الكبريت. وقيل : هي ما نحتوها أصناما (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) [الأنبياء : ٩٨] لأنهم لما اعتقدوا فيها أنها شفعاؤهم عند الله ، وأنهم ينتفعون بها ويدفعون المضارّ عن أنفسهم ، جعلها الله عذابهم إبلاغا في إيلامهم وتوريثا لنقيض مطلوبهم ، ونحوه ما يفعله بالذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ، أي يمنعون حقوقها حيث (يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ) [التوبة : ٣٥] والتاء في الحجارة لتأكيد التأنيث في الجماعة نحو : صقورة. وقد يدور في الخلد من هذه الآية ، ومن قوله (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ) [البقرة : ٧٤] ومن قوله (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) [الهمزة : ٦ ، ٧] أن المراد بالحجارة هي الأفئدة أي وقودها الناس وقلوبهم. وتخصيص القلب بالذكر لأنه أشرف الأعضاء وأولى بالإحراق إن كان مقصرا في درك ما خلق الإنسان لأجله. ومعنى أعدت هيئت وجعلت عدّة لعذابهم ، وإنما فقد العاطف لأنها بدل من الصلة أو استئناف ، كأنه قيل لمن أعدّت هذه النار؟ فقيل : أعدت للكافرين.
(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥))
الوقوف : «الأنهار» (ط) «رزقا» (لا) لأن «قالوا» جواب «كلما». «متشابها» (ط) «مطهرة» (ج) «خالدون» (ه).
التفسير : إنه سبحانه لما ذكر دلائل التوحيد والنبوة وانجر الكلام إلى ذكر عقاب الكافرين ، شفع ذلك بذكر ثواب المؤمنين جريا على سننه المعهود من ذكر الترغيب مع الترهيب ، وضم البشارة إلى الإنذار والجمع بين الوعد والوعيد والجنة والنار. وهل هما الآن مخلوقتان أم لا؟ ظاهر الآية من نحو قوله (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) والأحاديث كقوله صلىاللهعليهوسلم في حديث صلاة الخسوف «إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقودا ورأيت النار فلم أر كاليوم منظرا قط يدل على وجودهما» (١) وكذا سكنى آدم وحواء الجنة ، وقد جمع الله في الآية جوامع اللذات من المسكن وهو الجنات ، ومن المطعم وهو
__________________
(١) رواه مسلم في كتاب الكسوف حديث ٩. أحمد في مسنده (٣ / ٣٥٣ ، ٣٧٤).