فيه! فقال ابن عباس : إذا جاء القضاء عمي البصر. وقال لولده : يا بني عليك بالأدب ، فإنه دليل على المروءة ، وأنس في الوحشة ، وصاحب في الغربة ، وقرين في الحضر ، وصدر في المجلس ، ووسيلة عند انقضاء الوسائل ، وغني عند العدم ، ورفعه للخسيس ، وكمال للشريف ، وجلال للملك. (وقال) سقراط : من فضيلة العلم أنك لا تقدر على أن يخدمك فيه أحد كما تجد من يخدمك في سائر الأشياء بل تخدمه بنفسك ، ولا يقدر أحد على سلبه عنك. وقيل لبعض الحكماء : لا تنظر فغمض عينيه وقيل له : لا تسمع فسد أذنيه ، وقيل له : لا تتكلم فوضع يده على فيه ، وقيل له : لا تعلم فقال : لا أقدر عليه. وعن بعض الحكماء : عظم العلم في ذاتك ، وصغر الدنيا في عينك ، وكن ضعيفا عند الهزل ، قويا عند الجد ، ولا تلم أحدا على فعل يمكن أن يعتذر منه ، ولا ترفع شكايتك إلا إلى من ترى نفعه عندك حتى تكون حكيما فاضلا. ولبعضهم : آفة الزعماء ضعف السياسة ، وآفة العلماء حب الرياسة.
(وأما النكت) فالمعصية عند الجهل لا يرجى زوالها ، وعند السهو يرجى زوالها انظر إلى زلة آدم فإنه بعلمه استغفر ، والشيطان عصى وبقي في الغي أبدا ، لأن ذلك كان بسبب الجهل ، وإن يوسف عليهالسلام لما صار ملكا احتاج إلى وزير فسأل جبريل عن ذلك فقال : إن ربك يقول لا تختر إلا فلانا ، فرآه في أسوأ الأحوال. فقال لجبريل : كيف يصلح لهذا العمل مع سوء حاله؟ فقال له جبريل : إن ربه عينه لذلك لأنه ذب عنك بعلمه حين قال (وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [يوسف : ٢٧] والنكتة أن من ذب عن يوسف استحق الشركة في مملكته ، فمن ذب عن الدين القويم بالبرهان المستقيم فكيف لا يستحق من الله الخير والإحسان؟ وقيل : أراد واحد خدمة ملك فقال الملك : اذهب وتعلم حتى تصلح لخدمتي فلما شرع في التعلم وذاق لذة العلم ، بعث الملك إليه وقال : اترك التعلم فقد صرت أهلا لخدمتي. فقال كنت أهلا لخدمتك حين لم ترني أهلا لخدمتك ، وحين رأيتني أهلا لخدمتك رأيت نفسي أهلا لخدمة الله ، وذلك لأني كنت أظن أن الباب بابك لجهلي والآن علمت أن الباب باب الرب. (وقال الحكيم :) القلب ميت وحياته بالعلم ، والعلم ميت وحياته بالطلب ، والطلب ضعيف وقوته بالمدارسة ، فإذا قوي بالمدارسة فهو محتجب ، وإظهاره بالمناظر وإذا ظهر بالمناظرة فهو عقيم ، ونتاجه بالعمل فإذا زوج العلم بالعمل توالد وتناسل ملكا أبديا لا آخر له. وإن نملة واحدة نالت الرياسة بمسألة واحدة علمتها وذلك قولها (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [النمل : ١٨] كأنها إشارة إلى تنزيه الأنبياء عن المعصية وإيذاء البريء من غير جرم فقالت : لو حطمكم فإنما يصدر ذلك على سبيل السهو. فمن علم حقائق الأشياء من الموجودات والمعدومات ، كيف لا يستحق الرياسة في الدين