فلا يدخل تحت الأمر ، بل المراد اهبطوا وسيكون حالكم كذا ، لأن عالم التضاد والتنافي ليس كعالم الأنوار الذي لا تعاند فيه ولا تمانع (مُسْتَقَرٌّ) استقرار أو موضع استقرار حالتي الحياة والموت. (وَمَتاعٌ) تمتع بالعيش (إِلى حِينٍ) هو يوم القيامة ، أو حين انقضاء آجالكم. والحين المدة طويلة أو قصيرة ، ولهذا لو قال : أنت طالق الى حين. فمضت لحظة طلقت. وفي قصة آدم وما جرى عليه بسبب الزلة معتبر عجيب وموعظة بليغة بينة كافية في اجتناب الخطايا واتقاء المآثم ، ولله در القائل :
يا ناظرا يرنو بعيني راقد |
|
ومشاهدا للأمر غير مشاهد |
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي |
|
درك الجنان ودرك فوز العابد |
أنسيت أن الله أخرج آدما |
|
منها الى الدنيا بذنب واحد؟ |
وعن فتح الموصلي : كنا قوما من أهل الجنة فساقنا إبليس إلى الدنيا ، فليس لنا إلا الهم والحزن حتى نرد إلى الدار التي أخرجنا منها.
تطلب الراحة في دار العنا |
|
خاب من يطلب شيئا لا يكون |
قوله (فَتَلَقَّى) الآية. أصل التلقي التعرض للقاء ، ثم يوضع موضع الاستقبال للشيء الجائي ، ثم يوضع موضع القبول ، والأخذ (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) [النمل : ٦] أي تلقنه ، ثم بعض الأفعال قد يشترك فاعله ومفعوله في صلاحية وصف كل منهما بالفعل فيتعاوضان عمله فيهما. تقول : بلغني ذاك وبلغته ، وأصابني خير أو نالني وأصبته أو نلته (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) أي أخذها ووعاها واستقبلها بالقبول وتلقى آدم كلمات أي جاءته واتصلت به ، ولا يجوز أن يكون معنى التلقي من الرب ، أن الله تعالى عرفه حقيقة التوبة لأن المكلف لا بد أن يعرف ماهية التوبة ، ويتمكن بعقله من تدارك الذنوب فضلا عن الأنبياء فإذن المراد أنه نبهه على المعصية على وجه آل أمره إلى التوبة ، أو عرّفه وجوب التوبة وكونها مقبولة ، أو ذكره نعمته العظيمة عليه حتى صار من الدواعي القريبة إلى التوبة ، أو علمه كلمات لو حصلت التوبة معهن كمل حالها من قوله تعالى (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) [الأعراف : ٢٣] الآية. وفي رواية ابن عباس أن آدم قال : يا رب ألم تخلقني بيدك؟ قال : بلى. قال : يا رب ألم تنفخ فيّ من روحك؟ قال : بلى. قال : يا رب ألم تسبق رحمتك غضبك؟ قال : بلى. قال : ألم تسكني جنتك؟ قال : بلى. قال : يا رب إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة؟ قال : نعم. وقال النخعي : أتيت ابن عباس فقلت : ما الكلمات التي تلقى آدم من ربه؟ قال : علم الله آدم وحوّاء أمر الحج فحجا ، فهي الكلمات