مقدمة لما أراد من نسخ القبلة ، وثانيها عن ابن عباس : لما حولت القبلة عن بيت المقدس أنكر اليهود ذلك فنزلت ردا عليهم. وثالثها قول أبي مسلم : إن كلا من اليهود والنصارى زعمت أن الجنة لهم وحدهم فرد الله عليهم ، وذلك أن اليهود إنما استقبلوا بيت المقدس لاعتقادهم أنه تعالى صعد السماء من الصخرة ، والنصارى استقبلوا المشرق لأن عيسى ولد هناك (إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا) [مريم : ١٦] فكل منهما وصف معبوده بالحلول في الأماكن ، ومن كان هكذا فهو مخلوق لا خالق فكيف تخلص لهم الجنة وهم لا يفرقون بين المخلوق والخالق؟ ورابعها : قول قتادة وابن زيد : إن الله تعالى نسخ بيت المقدس بالتخيير إلى أي جهة شاءوا بهذه الآية ، وكان للمسلمين ذلك إلا أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يختار التوجه إلى بيت المقدس ، ثم إنه تعالى نسخ ذلك التخيير بتعيين الكعبة. وخامسها أن الآية في حق من يشاهد الكعبة فله الاستقبال من أي جهة شاء. وسادسها : روى عبد الله بن عامر بن ربيعة : كنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في غزاة في ليلة سوداء مظلمة فلم نعرف القبلة ، فجعل كل رجل منا مسجده حجارة موضوعة بين يديه ثم صلينا ، فلما أصبحنا إذا نحن على غير القبلة فذكرنا ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله هذه الآية عذرا لنا في خطئنا. وهذا الحديث يدل على أنهم حينئذ قد نقلوا إلى الكعبة ، لأن القتال فرض بعد الهجرة بعد نسخ القبلة. وسابعها : عن ابن عمر نزلت في المسافر يصلي النوافل حيث توجهت به راحلته ، وكان صلىاللهعليهوسلم إذا رجع من مكة صلى على راحلته تطوعا يومىء برأسه نحو المدينة. فمعنى الآية أينما تولوا وجوهكم لنوافلكم في أسفاركم فثم وجه الله ، أي فقد صادفتم رضاه إن الله واسع الفضل عليم بمصالحكم فمن ثم رخص لكم كيلا يلزم ترك النوافل والتخلف عن الرفقة ، فإن النوافل غير محصورة بخلاف الفرائض فإنها محصورة. فتكليف النزول عن الراحلة لاستقبال القبلة لا يفضي فيها إلى الحرج ، ولا يخفى أن الآية على الوجه الأول ناسخة ، وعلى الوجه الرابع منسوخة ، وعلى سائر الوجوه لا ناسخة ولا منسوخة. وأما الفرقة الثانية فاختلفوا أيضا فقيل : الخطاب في (تُوَلُّوا) للمانعين والساعين يريد أنهم أين هربوا فإن سلطاني يلحقهم وتدبيري يسبقهم وعلمي محيط بمكانهم. عن قتادة أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إن أخاكم النجاشي قد مات فصلوا عليه فقالوا نصلي على رجل ليس بمسلم» فنزلت (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) [آل عمران : ١٩٩] الآية. فقالوا : إنه كان لا يصلي إلى القبلة فنزلت هذه الآية أي الجهات التي يصلي إليها أهل كل ملة لي. فمن وجه وجهه نحو شيء منها يريد طاعتي وجد ثوابي ، فكان في هذا عذر للنجاشي وأصحابه الذين ماتوا على استقبال المشرق كقوله (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) [البقرة : ١٤٣] وعن الحسن ومجاهد