والضحاك : لما نزلت (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر : ٦٠] قالوا : أين ندعوه؟ فنزلت ، وعن علي بن عيسى أنه خطاب للمسلمين أي لا يمنعكم تخريب من خرب مساجد الله عن ذكره حيث كنتم من أرضه فلله بلاد المشرق والمغرب والجهات كلها ، ففي أي مكان فعلتم التولية التي أمرتم بها بدليل (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [البقرة : ١٤٤] (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) [البقرة : ١٤٤] فثم الجهة المأمورة المرضية وهذا كقوله صلىاللهعليهوسلم «جعلت لي الأرض مسجدا» (١) وقيل : نزلت في المجتهدين في الصلاة أو في غيرها ، وفيه أن المجتهد إذا رأى بشرائط الاجتهاد رأيا فهو مصيب. ومعنى تولوا في جميع الوجوه تقبلوا بوجوهكم إليها. ويقال : ولى هاربا أي أدبر ، فالتولية من الأضداد ، ومن جعل الخطاب للمانعين احتمل أن يريد بالتولية الإدبار و (فَثَمَ) إشارة إلى المكان خاصة. وقد زعمت المجسمة من الآية أن لله تعالى وجها وأيضا سماه واسعا ، والسعة من نعوت الأجسام. والجواب أن الآية عليه لا له ، فإن الوجه لو حمل على مفهومه اللغوي لزم خلاف المعقول فإنه إن كان محاذيا للشرقي استحال أن يكون حينئذ محاذيا للغربي ، فلا بد من تأويل هو : أن الإضافة للتشريف مثل «بيت الله» «وناقة الله» لأنه خلقهما وأوجدهما فأي وجه من وجوه العالم وجهاته المضافة إليه بالخلق والتكوين نصبه وعينه فهو قبلة والمراد بالوجه القصد والنية مثل (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [الأنعام : ٧٩] أو المراد فثم مرضاة الله مثل (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) [الدهر : ٩] فإن المتقرب إلى رضا أحد شيئا فشيئا كالمتوجه إلى شخص ذاهبا إليه شيئا فشيئا. وكيف يكون له وجه أو وجهة ، أم كيف يكون جسما أو جسمانيا وأنه خالق الأمكنة والأحياز والجواهر والأعراض والخالق مقدم على المخلوق تقدما بالذات والعلية والشرف؟ فالمراد بالسعة كمال الاستيلاء والقدرة والملك وكثرة العطاء والرحمة والإنعام ، وأنه تعالى قادر على الإطلاق وفي توفية ثواب من يقوم بالمأمورات على شرطها ، وتوفية عقاب من يتكاسل فيها ، عليم بمواقع نياتهم فيجازيهم على حسب أعمالهم.
قوله (وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) نوع آخر من قبائح أفعال اليهود والنصارى والمشركين جميعا فقد مر ذكرهم في قوله (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ) وفي قوله (وَمَنْ أَظْلَمُ)
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب التيمم باب ١. مسلم في كتاب المساجد حديث ٣ ، ٤ ، ٥. أبو داود في كتاب الصلاة باب ٢٤. الترمذي في كتاب المواقيت باب ١١٩. النسائي في كتاب الغسل باب ٢٦. ابن ماجه في كتاب الطهارة باب ٩٠.