التابع من الناكص كقوله (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) [الأنفال : ٣٧] فسمي التمييز علما لأنه أحد فوائد العلم وثمراته ، أو لنرى كما تستعمل الرؤية مكان العلم. وعن الفراء : أن حدوث العلم في الآية راجع إلى المخاطبين ومثاله : أن جاهلا وعاقلا اجتمعا فيقول الجاهل : الحطب يحرق النار. ويقول العاقل : بل النار تحرق الحطب ، وسنجمع بينهما لنعلم أيهما يحرق صاحبه ، معناه لنعلم أينا الجاهل. وهذا من كلام المصنف مثل (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سبأ : ٢٤] وقوله (مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) استعارة للكفر والارتداد كأنه يرجع إلى حيث أتى ثم إن هذه المحنة حصلت بسبب تعيين القبلة. أو بسبب تحويلها من الناس ، من قال بالأول لأنه صلىاللهعليهوسلم كان يصلي إلى الكعبة ، فلما جاء إلى المدينة صلى إلى بيت المقدس فشق ذلك على العرب من حيث إنه ترك قبلتهم ، ثم لما تحول إلى الكعبة شق ذلك على اليهود. والأكثرون على الثاني لأن الشبهة في أمر النسخ أعظم منها في تعيين القبلة ، عن ابن جريج أنه قال : بلغني أنه رجع ناس ممن أسلم وقالوا مرة هاهنا ومرة هاهنا ، ولو كان على يقين من أمر تغير رأيه. وعن السدي : لما توجه إلى الكعبة اختلفوا ، قال المنافقون : ما بالهم كانوا على قبلة ثم تركوها؟ وقال المسلمون : ليتنا نعلم حال إخواننا الذين ماتوا وقد صلوا نحو البيت المقدس. وقال آخرون : اشتاق إلى بلد أبيه ومولده. وقال المشركون : تحير في دينه. (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً) هي «إن» المخففة التي يلزمها اللام الفارقة بينها وبين «إن» النافية ، وتتهيأ بالتخفيف للدخول على الأفعال. لكن البصريين أوجبوا كون الفعل الذي دخلت هي عليه من باب «كان» أو «علم» ويبطل عمل «إن» في الظاهر ، وكذا في التقدير ، فلا يقدر ضمير الشأن كما يقدر في «أن» المفتوحة إذا خففت ، فقوله (لَكَبِيرَةً) خبر «كانت» واسمها الضمير العائد إلى القبلة لأنها هي المذكورة ، أو إلى ما دل عليه الكلام السابق من التولية في (ما وَلَّاهُمْ) أو الجعلة ، أو الردة ، أو التحويلة في (وَما جَعَلْنَا) ومعنى لكبيرة لثقيلة شاقة مستنكرة كقوله (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) وذلك أن الامتحان إن وقع بنفس القبلة فالفطام عن المألوف شديد والإعراض عن طريقة الآباء والأسلاف عسير ، وإن وقع بالتحويل فهو مبني على جواز النسخ وفيه ما فيه من الشبه والإشكال فيصعب اعتقاد حقيقته إلا على الذين هدى الله. الراجع محذوف أي هداهم الله إلى الثبات على دين الإسلام بأن نصب لهم الدلائل أولا ، ثم جعلهم منتفعين بها ثانيا ، وإلا فالدلالة عامة للكل (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) الخطاب للمؤمنين المعاصرين ، واللام لتأكيد النفي الداخل في «كان» ينتصب المضارع بعدها بتقدير «أن» أي لن يضيع الله ثواب ثباتكم على الإيمان ، وأنكم لم تزلوا ولم